قال عنه الجبرتى (أنه كان قبانياً فى الثغر وعنده خفة فى الحركة وتودد فى المعاشرة فأحبة الناس واشتهر ذكره فى ثغر الإسكندرية ورشيد ومصر, وقلده مراد بك أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته وأحكامه)
كان السيد محمد كريم حاكماً لمدينة الإسكندرية عند مجيء الحملة الفرنسية لمصر سنة 1798 وأيضاً كان يتولى أمر إدارة جمرك الإسكندرية يقول عنه الجبرتي عند وصول الحملة الفرنسية وإحتلال الإسكندرية: ( فلما كان يوم الأربعاء من الشهر المذكور -4 يوليو 1798م وردت مكاتبات من الثغر ورشيد ودمنهور بأنه فى يوم الإثنين وردت مراكب وعمارات للفرنسيس كثيرة , فأرسوا فى البحر وأرسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض أهل البلد , فلما نزلوا إليهم عوقوهم عندهم, فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب إلى جهة العجمى وطلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر, فلم يشعر أهل الثغر وقت الصباح إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج أهل الثغر ومن أنضم لهم من العربان المجتمعة وكاشف (حاكم ) البحيرة, فلم يستطيعوا مدافعتهم, ولا أمكنهم ممانعتهم, ولم يثبتوا لحربهم وأنهزم الكاشف ومن معه من العربان, ورجع أهل الثغر إلى التترس فى البيوت والحيطان , ودخلت الإفرنج البلد , وانبث فيها الكثير من ذلك العدد ,كل ذلك وأهل البلد لهم بالرمى يدافعون, وعن أنفسهم وأهلهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا أنهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الأبراج من آلات الحرب والبارود وكثرة العدو وغلبته، طلب أهل الثغر الأمان فأمنوهم ورفعوا عنهم القتال ومن حصونهم أنزلوهم ونادى الفرنسيس بالأمان فى البلد ورفعوا بنديراته عليها)
كانت الإسكندرية أول مدينة مصرية نزلها نابليون فى الأول من يوليو الساعة الواحدة صباحا 1798 على شاطئ العجمى وبالتحديد على جزيرة سيدى العجمى وقام باستعراض القوات الفرنسية على الشاطئ والتى تشكلت من ثلاثة فرق تحت قيادة كل من الجنرال مينو وهو أول من نزل على شاطئ العجمى والجنرال كليبر والجنرال بون وبدأ الركب فى السير نحو أسوار المدينة وهنا نشير إلى أن مسئولي خيول نابليون لم يتمكنوا من إنزال الخيول إلى الشاطئ نظراً لارتفاع الأمواج وهياج البحر فى هذا اليوم لذا فقد سار الجنود مع نابليون تتقدمهم جنود الاستطلاع وقد أبى كبير مهندسى الحملة الجنرال كفاريللى انتظار إنزال حصانه من السفينة رغم أنه كان برجل خشب ويطلق عليه الجبرتى فى مذكراته (أبو خشبة) وقال لنابليون أنه يرغب فى الحصول على شرف دخوله الإسكندرية معه وقد أقام نابليون مركز القيادة عند عمود السوارى(كرموز حالياً) واستطلع المدينة من فوق ربوة العمود وقد وزع الفرق كالآتي
•• مينو من باب غربى جهة القبارى
•• كليبر من باب سدرة (باب العمود)
•• بون من باب شرقى هذا وقد أصيب كل من كليبر ومينو ,الأول برصاصة بالجبهة والثانى سقط وهو يتسلق سور المدينة
وعقب دخول المدينة يوم 2-7-1798 بادر نابليون إلى دعوة مشايخ وأعيان المدينة لمقابلته فلما اجتمع بهم أعرب لهم عن تمنيه السعادة والرفاهية للشعب المصرى , وأوضح لهم أنه لا يقصد بالأهالي سوءاً, وطارحهم الرأي فى إصلاح حالة البلاد, وطمأنهم على حياتهم وأموالهم وأن لا يحاربوا الجيش الفرنسى وأن يكونوا موالين للجمهورية الفرنسية, ورد إلى السيد محمد كريم سلاحه وقال له فى مجلس من أعيان الإسكندرية (لقد أخذتك والسلاح فى يدك وكان لى أن أعاملك معاملة الأسير ,ولكنك استبسلت فى الدفاع والشجاعة متلازمة مع الشرف , لذلك أعيد إليك سلاحك وآمل فى أن تبدى للجمهورية الفرنسية من الإخلاص ما كنت تبديه لحكومة سيئة)
وقبل أن يزحف نابليون بجيشه على القاهرة بعد أسبوع من وصول الحملة للإسكندرية وبعد استقرار الوضع بالمدينة وتعيين الجنرال كليبر حاكما عسكرياً للإسكندرية وضواحيها والقبطان le pelley قومنداناً لميناء الإسكندرية وتكليف الكولونيل Cretin تحصين ثغر الإسكندرية وترميم قلاعه وإنشاء قلاع جديدة لجعلها بمأمن من البوارج الإنجليزية مع بقاء السيد كريم حاكماً للثغر
القبض على السيد محمد كريم
فى يوم 20 يوليو أمر الجنرال كليبر جنوده بالقبض على السيد محمد كريم بعد أن بدا فى الارتياب فى نيات السيد محمد كريم وخيانته للجمهورية الفرنسية وإثارته الهياج والعصيان فى نفوس الأهالي , وبعث به إلى ظهر السفينة (ديبوا) وهى سفينة قومندان ميناء الإسكندرية LE PELLEY فأقلته إلى أبو قير حيث كان يرسو الأسطول الفرنسى ليسجن فى البارجة ORIENT وهى البارجة الخاصة بنابليون (سفينة القيادة) وقد قام قائد الأسطول الفرنسى BEYRUES بمعاملة السيد كريم معاملة حسنة وأعد له مكان كبير له ولحاشيته على الأوريان وفى يوم 30 يوليو أرسل الأميرال برويس السيد كريم إلى رشيد ليبعث به الجنرال مينو إلى القاهرة , سافر السيد كريم على ظهر إحدى سفن الجيش الفرنسى التى أقلعت من رشيد يوم 4 أغسطس وكان على ظهرها POUSSIELGUE مدير الشئون المالية والمسيو ESTEVE مدير الخزانة والموظفون الذين تحت رئاستهم يحملون خزانة الجيش إلى القاهرة. وصلت السفينة إلى القاهرة يوم 12 أغسطس مساء , ليظل السيد كريم مسجوناً رهناً بالتحقيق معه وكان الجنرال DUPUY قومندان القاهرة يتولى أمر التحقيق مع السيد محمد كريم فاستجوبه فى التهمة الموجهة إليه وهى مراسلته لمراد بك وغيره من المماليك وعرب البحيرة , وانتهى التحقيق بثبوت التهمة عليه, وأصدر نابليون أمره فى 5 سبتمبر سنة 1798 بإعدام السيد محمد كريم رمياً بالرصاص , ومصادرة أملاكه وأمواله , وسمح له أن يفتدى نفسه بدفع غرامة 30 ألف ريال فى خلال 24 ساعة , وهنا تعددت الروايات فأحدى هذه الروايات تقول أن السيد كريم رفض دفع مبلغ الفدية وأظهر جلداً وشجاعة أمام حكم الإعدام , ويقال أن كبير مترجمي نابليون وهو المستشرق VENTURE نصحه بدفع الغرامة وقال له ( إنك رجل غنى فماذا يضيرك أن تفتدى نفسك من الموت بهذا المبلغ) فأجابه السيد كريم :( إذا كان مقدوراً على أن أموت فلا يعصمنى من الموت أن أدفع هذا المبلغ , وإن كان مقدرا لى الحياة فعلام أدفعه) وظل على إصراره إلى أن نٌفذ عليه الحكم رمياً بالرصاص فى ميدان الرميلة (القلعة) بالقاهرة يوم 6 -9-1798
ومن غرائب القدر أن السيد محمد كريم غادر البارجة الحربية ORIENT - وهى تعنى الشرق- يوم 30 يوليو أى قبل أن تنفجر وتدمر فى موقعة أبى قير أول أغسطس أى قبل يومين فقط , فنجا من الكارثة التى حلت بالأسطول الفرنسى على يد القائد الانجليزي NELSON , ولكن القدر الذى نجاه من الموت فى أبو قير , قد أسلمه إلى يد الجلاد فى القاهرة ( وما تدرى نفس بأي أرض تموت )
أما الرواية الأخرى والتى ذكرها الجبرتى (ولما حضر الفرنسيس ونزلوا الإسكندرية قبضوا على السيد محمد كريم وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه فى مركب. ولما حضروا إلى مصر(القاهرة ) وطلعوا فى قصر مراد بك وفيه مطالعة بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم , فأشتد غيظهم عليه , فأرسلوا وأحضروه وحبسوه, فتشفع فيه أرباب الديوان عدة مرات , فلم يكن ,إلى أن كانت ليلة الخميس فحضر إليه MAGALLON القنصل الفرنسى وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال , وذكر قدراً يعجز عنه , وأجله 12 ساعة وإن لم يحضر ذلك القدر وإلا يقتل بعد مضيها فلما أصبح أرسل إلى السيد أحمد المحروقى (كبير تجار القاهرة) وإلى المشايخ فحضر إليه بعضهم فترجاهم واستغاث , وصار يقول ( اشتروني يا مسلمين) وليس بيدهم ما يفتدونه به ,وكل إنسان مشغول بنفسه , ومتوقع لشيء يصيبه , فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الأجل أركبوه حماراً واحتاط به عدد من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة, إلى أن وصلوا إلى ميدان الرميلة , وكتفوه وربطوه مشبوحاً وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه , ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبوت وطافوا بها جهة الرميلة والمنادى يقول ( هذا جزاء من يخالف الفرنسيس)
رحم الله السيد محمد كريم
التسميات
مقالات