المسؤولية الإدارية |
ممّا لاريب فيه أن المسؤولية تتبوّأ مكان الصدارة في شتى المجالات القانونية، فهي القلب النابض في الجسد القانونى، فلا فاعلية لهذا الجسد بدون القلب، فلا يخلو مجالٌ من المجالات القانونية إلاّ وكانت المسؤولية نبض الحياة فيه.
مفهوم المسؤولية الإدارية:
عرّف جانبٌ من الفقه القانوني المسؤولية الإدارية بأنها: "إلتزامٌ بتعويض الأضرار التي قد تحدث للأفراد بسبب نشاط الإدارة في تسيير المرافق العامة وممارسة نشاط الضبط الإداري".
وعرّفت كذلك بأنها: "إلتزام الدولة بتعويض كل من يصيبه ضرر، من جرّاء نشاط الإدارة، سواء كان المضرور شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً، وسواء كان نشاط الإدارة قراراً إدارياً أو مجرد عملٍ مادي". كما عرّفها جانبٌ آخر من فقهاء القانون الوضعي بأنها: "الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة أوالمؤسسات والمرافق والهيئات العامة نهائياً بدفع التعويض عن الضرر أو الأضرار التي تسبّبت للغير بفعل الأعمال الإدارية، سواء كانت هذه الأعمال مشروعة أو غير مشروعة، وذلك على أساس الخطأ المرفقي أو الخطأ الإداري أساساً، وعلى نظرية المخاطر، وفي نطاق النظام القانوني لمسؤولية الدولة والإدارة العامة".
وقواعد المسؤولية الإدارية الناتجة عن النشاط الإداري قواعدٌ مستقلة عن قواعد المسؤولية في نطاق القانون الخاص، وذلك نتيجة لطبيعة قواعد وأحكام القانون الإداري ذاته، والتي تتسم بالمرونة وسرعة التطور، وقضائية النشأة، بمعنى أن أحكام القضاء تلعب دوراً كبيراً في إرساء مبادئ وأحكام القانون الإداري.
أنواع المسؤولية الإدارية:
تنقسم المسؤولية الإدارية إلى: مسؤولية إدارية على أساس الخطأ ومسؤولية إدارية بدون خطأ.
أولاً- المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ:
من المعلوم أن الدولة هي شخصٌ اعتباري، وعلى هذا فإن الأعمال التي تنسب إليها يقوم بها في واقع الأمر أشخاص طبيعيون، وهم فئة من أفراد الجماعة يطلق عليهم (الموظفين)، وهم الذين يقومون بمهام الدولة وأعمال سلطاتها المختلفة، إشباعاً للحاجات المتنوعة لأفراد الدولة ومواطنيها.
وتقوم المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ على ثلاثة أركان، هي:
الركن الأول: ركن الخطأ:
هو الأصل العام الذي تقوم وتؤسّس عليه المسؤولية الإدارية، وتمثّل فكرة الخطأ وبحق القاعدة العامة والركن الأساسي لقيام المسؤولية في مختلف فروع القانون، ومن بينها المسؤولية في نطاق القانون الإداري.
ويمكن تصوّر وقوع الخطأ في ثلاث حالاتٍ مختلفة يمكن إجمالها في ثلاث حالات هي:
الحالة الأولى: وقوع الخطأ بصفةٍ شخصية من الشخص التابع للجهة الإدارية، وبالتالي يجب عليه تحمّل تبعة الضرر الناتج عن هذا الخطأ، وهذا ما يسمى بـ"الخطأ الشخصي".
الحالة الثانية: وقوع الخطأ نتيجة لممارسة النشاط الإداري في حدّ ذاته، دون صدور خطأٍ شخصي من الموظف أو التابع للجهات الإدارية، وفي هذه الحالة يجب أن تتحمّل الجهة الإدارية نتيجة هذا الخطأ وهو ما يطلق عليه فكرة "الخطأ المرفقي" أو (المصلحي).
الحالة الثالثة: حدوث الخطأ من الشخص التابع للإدارة، ويكون هذا الخطأ في جزءٍ منه خطأً شخصياً من الموظف، ويكون في ذات الآن للجهة الإدارية دورٌ في وقوعه، وفي هذه الحالة يكون هناك اشتراكٌ في إحداث الضرر نتيجة الإشتراك في إرتكاب الخطأ، وهو ما يسمى بـ"الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي".
الركن الثانى: ركن الضرر:
الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية الإدارية سواء أكانت على أساس الخطأ أم في حالة انعدامه، فهو المحور الذي تدور حوله المسؤولية وجوداً وعدماً، فلا مسؤولية حيث ينتفي الضرر، فإذا انتفى الضرر انتفى معه الحق في المطالبة بالتعويض.
والضرر بشكلٍ عام هو: "إخلالٌ بحقٍ أو إخلالٌ بمصلحةٍ مشروعة للمضرور"، ومن تعريفاته أيضاً أنه: "كل أذى يصيب الإنسان في بدنه أو ماله أو مصلحته أو هو إخلالٌ بمصلحةٍ مشروعة".
شروط الضرر:
1) يجب أن يكون الضرر مباشراً:
يجب أن يكون الضرر الذي وقع نتيجة مباشرة للخطأ المنسوب إليه هذا الضرر، أمّا إذا كان تحقق الضرر نتيجة غير مباشرة للخطأ فلا يسأل عنه مرتكب الخطأ.
2) يجب أن يكون الضرر محققاً أومؤكداً:
يشترط في الضرر لكي يستوجب التعويض أن يكون محققاً أو مؤكداً، بمعنى أن يكون قد وقع فعلاً أو أن يكون وقوعه أو حدوثه مستقبلاً مؤكداً أومحققاً.
3) يجب أن يكون الضرر خاصاً أو متميزاً بسمة الخصوصية:
لكي تقوم المسؤولية الإدارية، فلابد من أن يكون الضرر قد مسّ مصلحة فردٍ أو شخصٍ معين، أو فئة معينة من الأفراد دون بقية الأفراد.
4) يجب أن يصيب الضرر حقاً مشروعاً للمضرور:
كي يستحق المضرور التعويض عن وقوع الضرر فيجب أن يصيب الخطأ حقاً مشروعاً للمضرور، أو بمعنى آخر يجب أن يصيب الخطأ حقاً أو مصلحة يحميها القانون، وذلك سواء كان هذا الحق متعلقاً بمصلحةٍ مادية (ضرر مادي)، أو بمصلحةٍ أدبية (ضرر أدبي أو معنوي).
5) أن يكون الضرر جسيماً:
ويقصد بجسامة الضرر هنا أن يكون الضرر غير عادي، بمعنى ألاّ يكون من قبيل الأضرار التي تصيب الأفراد أو الأشخاص بحكم الجوار عادة، أو أن تكون من قبيل الأضرار العادية التي يتحمّلها الأفراد على اعتبار أنها من قبيل مضار الجوار العادية أو المألوفة.
الركن الثالث: ركن علاقة (رابطة) السببية:
علاقة (رابطة) السببية هي الركن الثالث من أركان المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، حيث أن انقطاعها يعتبر مانعاً من قيام المسؤولية، فحيث انتفت علاقة السببية بين الخطأ والضرر انتفت المسؤولية الإدارية.
ثانياً- مسؤولية إدارية بدون خطأ:
* أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ: انقسم الفقه والقضاء إلى عدّة إتجاهاتٍ في هذا الشأن، فإتجاه يؤيد فكرة المخاطر دون سواها، واتجاه يؤسّس تلك المسؤولية على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، وهناك من يجمع بين الإتجاهين، واتجاه آخر يؤسّسها على فكرة تحمّل التبعة.
أولاً- فكرة المخاطر:
أدّى النشاط الصناعي والتكنولوجي والعلمي المتزايد داخل الدولة إلى إحتمالية تعرّض كثيرٍ من الأفراد لهذه الأنشطة التي تتّسم بالخطورة، لذلك كان من الضروري أن يقع إلتزام على عاتق الدولة الحديثة بتأمين أفرادها ومواطنيها، ضد مخاطر مباشرة ومزاولة هذه الأنشطة الخطرة، ويتمثّل هذا التأمين في تعويض المضرور دون حاجةٍ إلى إثبات الخطأ، أو حتى إمكانية إثباته ونسبته إلى شخصٍ معيّن، وذلك هو جوهر ومضمون نظرية المخاطر.
ثانياً- مبدأ المساواة أمام الأعباء أو التكاليف العامة:
يعد مبدأ "المساواة أمام الأعباء العامة" من المبادئ القانونية العامة التي لا تقل قيمتها عن قيمة النصوص الدستورية، ويقوم مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة على وجوب مساهمة المواطنين في تحمّل الأعباء المترتّبة على إدارة المرافق العامة كل في حدود إستطاعته وإمكانياته طبقاً لما يحدّده القانون، مع عدم جواز تحميلهم بأية أعباءٍ أو تكاليف خارج هذه الحدود، وإلاّ كان ذلك إخلالاً ومساساً بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، ومن ثم وجب تعويضه من المال العام.
فالمرافق العامة التي تقوم على إشباع الحاجات الجماعية للأفراد قد تتسبّب في الإضرار بهم، وهذه الأضرار يجب اعتبارها من ضمن الأعباء العامة الواقعة على المضرورين، الذين يحق لهم الحصول على تعويضٍ من المال العام في حالة الإخلال بحقهم في المساواة أمام الأعباء والتكاليف العامة. وقد تبنى جانبٌ كبير من الفقه الفرنسي والمصري أساساً وسطاً بين كلٍ من الأساسين السابقين.
ثالثاً- فكرة تحمل التبعة «مبدأ الغرم بالغنم»:
تشعّبت أنشطة الدولة في كافة مناحي الحياة، وأصبحت تباشر جميع الأنشطة، سواء الصناعية، أو الحرفية، أو الزراعية أوالخدمية، أو حتى الفنية؛ مستهدفة في ذلك تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في إشباع حاجات الأفراد من الأنشطة التي تمارسها، والسير في ركب الحضارة والتقدّم.
وكل ذلك يأتي تحت مسمى المصلحة العامة، فإذا وصلت هي إلى هذا الغرض أوالهدف فإنها تكون قد حققت فكرة "الغنم"، ولمّا كانت الأضرار ناتجة عن منفعةٍ للدولة فعليها أن تتحمّل نتائج أعمالها النافعة، ولو لم يكن ثمة خطأ ارتكبته، وما دامت تستفيد من مميّزات هذا النّشاط فيقع عليها عبء تحمّل عيوبه، وهذا هو مضمون فكرة "الغرم".
وحال انعقاد المسؤولية الإدارية سواء على أساس الخطأ أو بدون خطأ، فإن هناك آثاراً تترتّب على قيامها، وتتمثّل أهم تلك الآثار في دعوى المسؤولية الإدارية والتعويض.