ورشة عمل " إستراتيجية مكافحة الفساد " والتى تمت خلال الفترة من 15 - 16 يناير 2013 بفندق سوفيتل الجزيرة بالقاهرة وأمتدت فعاليتها من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء بمشاركة بين الجانب المصرى والجانب الأمريكى بتمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وحيث أن موضوع الورشة يكتسب أهمية قصوى خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 التى قامت فى الأساس ضد الفساد وعليه فقد اعددت بحث عن الفساد فى مصر فى إطار ورشة العمل نتشرف بنشر ملخصه على جزءين:
الأول: مظاهر الفساد .
الثانى: استراتيجية مكافحة الفساد .
الجـزء الأول : مظاهر الفساد
أولا: منذ فجر التاريخ وعلى ضفاف النيل بزغت شمس الحضارة المصرية ومعها ظهر الفساد الذى يتحكم فى مياه النهر العظيم من خلال المركزية المصرية ( أنا ربكم الأعلى ) فى صورة البيروقراطية الإدارية فى المنح والمنع والتحكم فى رقاب العباد .
ثانيا: وعن الفساد فى مصر نتحدث على النحو التالى :
- قبل ثورة يوليو سنة 1952 كان الفساد الأدارى والمالى واضح ولكنه كان بنسبة محدودة ومعقولة وتحت نطاق المكافحة .
- بعد ثورة يوليو 1952 بدأت مرحلة جديدة من النمو السريع للفساد فى كافة المجالات السياسية والأدارية والمالية حتى بلغ الفساد ذروته فى عهد مبارك والذى سمى بعصر الفساد المبارك .
ثالثا: ولقد ذاق مرارة الفساد كل من :
- رموز مرحلة يوليو (الجمهورية الأولى ) حيث انتهت حياة عبد الناصر بنكسة يونيو سنة 1967م - وبإغتيال السادات فى أكتوبر سنة 1981م وبالإطاحة بمبارك واسرته وأعوانه داخل السجون بثورة 25 يناير سنة 2011م .
- ومن اهم نتائج هذه المرحلة خاصة فى عهد مبارك انها خلفت الفساد للشعب المصرى الذى شارك فيه بالأكراه والصمت .
رابعا: وفى ظل إنعدام النزاهة والشفافية انتشر الفساد فى شتى مناحى الحياة المصرية :
- الفساد السياسى : يتفق السادة الباحثين والدارسين والمحللين على أن الفساد السياسى هو أبشع وأخطر انواع الفساد لكونه من النخبة الحاكمة (رأس الدولة ) التى بقبضتها شئون البلاد ومن صور ذلك على سبيل المثال وليس الحصر :
* نظام الحكم فردى سلطوى حيث لا توجد احزاب حقيقية ولا أى ممارسة ديمقراطية وتدار البلاد بالقبضة الحديدية العسكرية (تجريف الحياة السياسية )
* الولاء السياسى أساس الحكم وعليه فقد تمت إدارة أمور البلاد بنظام الشلالية وتحولت مصر الكبيرة الى عزبة " وسيه " وبالتالى فقدت دورها المحلى والعالمى .
* تقنين الفساد من خلال ترقيع الدستور وتشويه التشريعات والقرارات .
* تسييس القضاء وكافة الجهات التشريعية والتنفيذية من أجل تفصيل الأحكام والقوانين والقرارات وتنفيذها .
* تزوير كامل وفاضح لكافة الإنتخابات .
* توريث الوظائف من أجل التمهيد لتسليم السلطة.
* انشاء لجنة سياسات لتزويج المال بالسلطة.
* ربط النخبة الحاكمة بكرسى الرئاسة عن طريق شبكة فساد معقدة من أجل استمرار نظام الحكم
* الوصول للسلطة دائما عن طريق الفساد لكون الفساد يحمى ويحافظ على الأستبداد .
الفساد الإدارى : وهو الفساد الذى يصيب الجهاز الإدارى للدولة (عصب الدولة) ومن صوره :
* غياب مبدأ النزاهة والشفافية فى إدارة كافة أمور الدولة .
* النظام الإدارى فى مصر يعتمد ويقوم على الرشوة والمحسوبية والوساطة والمحاباة والولاء السياسى واستغلال النفوذ فى كافة المصالح الحكومية والعامة (نظام حياة )
* غياب مبدأ العدالة بصفة عامة بين الأفراد من جهة والمؤسسات من جهة أخرى .
* ضعف الدور الرقابى وفساد الأجهزة الرقابية وعدم تطبيق القانون على المخالفين (غياب مبدا الثواب والعقاب )
* فساد السلطة القضائية من حيث التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة وكذا التبعية السياسية والتى كانت كلها جميعا بمثابة الصدمة القوية للشعب المصرى لكون العدل هو أساس الملك .
انها حقا قضية القرن !! بل هى مسرحية القرن !
- أول فصولها : استطاعت الثورة خلع رأس الفساد .
- ثانى فصولها : ما زال الفساد قوى وشرس يحرق ويتلف ويفرم كافة الحقائق والمستندات والنائب العام بدوره يخفى الأدلة ويضع المتناقضات .
- ثالث فصولها : القضاء يحكم بالبراءة فى كافة قضايا قتل الثوار ونهب المال العام .
حقا أنها مسرحية عبثية هزلية بطلها الفساد.
علينا حقا أن نعترف بكل شجاعة ان الفساد الإدارى فى مصر فى غاية الخطورة والتعقيد فى كافة المجالات - منها :-
- المجال الصحى: تدهورت صحة المصريين بسبب دخول المبيدات المسرطنة والأغذية الفاسدة وأصبحت المستشفيات متهالكة والعلاج فقط للقادرين وانتشرت السرطانات والفيروسات بكافة أشكالها وأنواعها، وراجت تجارة الأعضاء البشرية بسبب الفقر وتحولت مصر الى سوق كبير لبيع قطع غيار البشر ... الخ
- المجال العلمى : تدهور التعليم وضاعت معه هيبة المعلم بسبب انتشار الدروس الخصوصية والكتب الخارجية والتعليم الخاص وتكدست المدارس والجامعات وأصبح التعليم مولد وصاحبه غائب وتضاءلت ميزانية البحث العلمى وعليه فقد هاجرت العقول للخارج .
- المجال الزراعى : تم التعدى بقسوة على رقعة الأرض الزراعية وتم إدخال محاصيل ومبيدات دمرت الزراعة واختلطت مياه نهر النيل بمياه الصرف الصحى والمجارى .
- المجال الصناعى : لا يوجد تصنيع حقيقى بسبب سهولة الإعتماد على الإستيراد من الخارج لكافة السلع والخامات فوصلت نسبة الإستيراد الى 80% بسبب القرار السياسى الذى يؤثر على الإقتصاد ولكن الإقتصاد اقوى من السياسة وعليه فقد ظهرت فئة عريضة تطلق على نفسها جمعية رجال الأعمال وهم فى الحقيقة جمعية مستغلين ومنتفعين من القرار السياسى الذى سوف يتخذ ومن ثم فقد تحكمت العملات الأجنبية ( العملة الصعبة ) فى العملة المحلية والأقتصاد المصرى كله نتيجة المضاربات على العملة (السوق السوداء ) والضحية دائما هو المواطن العادى (عامة الشعب )
- المجال الإجتماعى : تلاشت الأخلاق والمبادىء وتفككت الأسرة المصرية ودبت فيها روح الفردية والأنانية بسبب الفقر فقد وصلت نسبة الفقر الى 45% تقريبا وانتشرت العشوائيات وسكن الناس المقابر والجراجات وتحت السلالم وفوق الأسطح والمساجد والكنائس .... الخ (الفساد ليس له قلب ) فمن أين تأتى الرحمـة ؟
- المجال الدينى : وهنا نكتفى فقط بالتركيز على الخطاب الدينى ، فمع أن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالكهنوت أو رجال الدين إلا أن معظم القائمين على الخطاب الدينى تم تعيينهم بالوساطة والمحسوبية والإنتماء للحزب وليس بالكفاءة لذا أصبح الخطاب الدينى قائما على النقل وليس الفكر وتم إختزال الإسلام فى السلف الصالح ومن ثم تلاشت الوسطية وظهر التطرف والتشدد الدينى مع أنه :
- أول كلمة نزل بها الوحى هى إقرأ .
- لا عصمة لبشر إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- القاعدة كل يأخذ منه ويرد .
- نعم لقد أصبح الفساد الإدارى فى مصر للركب بل للعنق ولا نجاة منها إلا بتقوى الله والثورة عليه..
الفساد المالى : وهو الفساد الذى يصيب كيان الدولة كلها وتكمن خطورته عندما ندرك حجم مصر وعظمة مواردها .
الموارد البشرية : أهم مورد خلقه الله فى هذه الحياة هو الإنسان ولقد وهب الله مصر ثروة بشرية ضخمة وجباره ليس من حيث العدد فقط وإنما من حيث الكيف أساسا فالإنسان المصرى لديه روحا وعقلا .
الموارد الإقتصادية : وعن موارد مصر الإقتصادية فحدث ولا حرج وكيف لا ومصر تقع فى قلب العالم ( موقع استراتيجى ) فهى تربط العالم كله من خلال البحر المتوسط بالبحر الأحمر عبر قناة السويس ومن قبلى الى بحرى يجرى نهر النيل العظيم الذى يقال بأنه ينبع من الجنة وعلى ضفافه تنتشر البحيرات والخصوبة والنماء والزرع والهواء، وعلى ضفافه أيضا نشأت أقدم حضارة عرفها الإنسان عبر التاريخ فثلث آثارالعالم فى مصر (عبقرية المكان ) .
- ثروات مصر متنوعة فباطن مصر ملىء بالثروات المعدنية من غاز وبترول ودهب وحديد وفوسفات وآثار … الخ وفوق أرض مصر أغلى الرمال الصفراء والسوداء والحمراء وفى طين مصر تكمن الحياة … الخ .
- مصر بلد الأمن فهى مهد الديانات وأم الحضارات وجنة الله فى الأرض وخزائنه التى لا تنفذ .
واذا جاز لنا ان نتحدث عن الفساد المالى فى مصر فنتذكر بأن مصر عبر تاريخها وحتى الآن تتعرض لسرقة ونهب ونزوح وتجريف لمواردها وان كافة الحكومات سعت على إفقار الشعب المصرى من خلال :
- الموازنة العامة للدولة والتى من المفترض انها تشمل على كافة الإيرادات والمصروفات فنجد أن هناك موارد رئيسية لا تدخل الموازنة بل تدخل جيوب الحكم مباشرة، علاوة على أن الذى يدخل بند المصروفات هو 20% فقط من الموازنة والتى تصرف فى صورة مرتبات وأجور وعلاج وتعليم ودعم .. الخ والباقى 80% تدخل فى الصناديق الخاصة وتقدر بعشرة آلاف صندوق لا تدخل الموازنة بل تدخل فى جيوب القائمين عليها وتوزع فى صور هدايا ورشاوى ومجاملات … الخ نعم انها موازنة إثراء الأغنياء وإفقار الفقراء .
- تبنى سياسة تدنى الأجور والمرتبات وذلك لإجبار الشعب على المشاركة فى الفساد أو الصمت عنه .
- عقول شيطانية تقوم بإدارة ملفات الخصخصة، أى بيع شركات القطاع العام دون أى رقابة حيث يتم بيع هذه الشركات بأثمان تافهة لمستثمرين عرب وأجانب ومصريين فيقوم هؤلاء النصابين بإفلاس هذه الشركات لبيع أصولها بمبالغ طائلة .
- بيع أراضى الدولة لرجال أعمال النظام بأبخس الأسعار وبالتقسيط المريح ليقوم هؤلاء المستفيدين بتصقيعها وأخذ القروض عليها ثم بيعها بأعلى الأسعار واستثمار أموالها فى الخارج .
- بيع الغاز الطبيعى والبترول لإسرائيل ودول أخرى بأسعار زهيدة وثابتة لسنوات طويلة وترك الشعب المصرى يعانى .
- تحصيل الضرائب من الموظفين وصغار الممولين وترك رجال الأعمال الكبار .
- لم تخرج لنا أى حكومة قبل أو بعد الثورة ولا حتى رئيس البنك المركزى ولا أى جهة رقابية لتحكى للشعب المصرى كيف تم نزوح وتهريب كل هذه الأموال السائلة والمنقولة خارج البلاد . ولم تضع لنا خطة واضحة ومحدد فى كيفية إسترداد كل هذه الأموال !!
- وهل هناك فساد أكثر من متاجرة أصحاب الرئيس واقاربه فى موارد مصر وذلك بصفتهم رجال أعمال وسماسرة ، بل الأدهى من ذلك كله هو إدانة مصر والمضاربة على شراء ديونها .
- أن نظام الحكم الفاسد حول موارد الدولة المصرية فى جيوب الأغنياء وحول معظم الشعب لفقراء وجوعى يبحثون على لقمة العيش وسط الزبالة (جوع كلبك يتبعك ) لذا كانت أول مطالب 25 يناير عيش ... الخ .
- وإذا جاز لنا تشخيص الفساد المالى فى مصر من منظور طبى فهو فيروس وبائىأصاب منظومة الحياة المصرية ، ومن ثم فان كل شىء فى مصر يسير عكس الإتجاه الطبيعى والعلاج ليس فى تغيير القيادات فقط بل لا بد من محاربة الفساد وتجفيف منابعه فى إطار منظومة شاملة .
والى اللقاء في الجزء الثاني من المقال - استراتيجية مكافحة الفساد
التسميات
مقالات