العمل والإبداع والخلود - محمود أبو العلا - كلمة العدد

قليلون جداً أولئك الذين نذكرهم ممن سبق وقليلون جداً أولئك الذين يذكرهم التاريخ في صدر صفحاته الخالدة.. مع أن هؤلاء القليلون عاشوا بين مئات الآلاف أو الملايين من البشر الذين لم يرد ذكرهم قط ,بل إنهم جاءوا مباشرة في نفس المنصب أو المكان الذي شغله آخرون قبلهم أو جاء إليه آخرون بعدهم ولكن لم يذكر التاريخ مِن هؤلاء إلا القليل.
أنظر إلي زعماء العالم ...سوف تجد أن القليل جداً منهم هو من يذكره التاريخ بغض النظر عن تلك البلد التي كان زعيماً لها وإذا نظرت إلي رؤساء مصر السابقين سوف تجد واحداً أو أثنين علي الأكثر هم كل من يذكرهم الناس من أسماء بغض النظر عن تلك الفترة التي قضاها كل منهم أو الأحداث التي عاصرها أي منهم ... وإذا راجعت أسماء من تولي رئاسة الجمارك المصرية فسوف تجد أسماء كثيرة جداً لا يكاد يعرفها أحد رغم أن بعضهم قضي في المنصب سنوات وسنوات!! وأسماء أخري لا تزال محفورة في ذاكرة التاريخ بحروف من نور رغم بقائهم في المنصب لفترات أقل بكثير من هؤلاء .... ويسري الحال نفسه علي كل وظيفة وكل منصب وكل من يشغل اهتمام الناس لفترة من الزمان ....وهذه سنة الحياة وسنة الله في الأرض.
الخالدون هم أولئك الذين سيذكرهم التاريخ لتفانيهم فيما يقومون به من عمل وإخلاصهم المنقطع النظير.. وهم الذين لا يعيرون حياتهم الخاصة أو صحتهم الاهتمام الذي يولونه لعملهم ومرؤوسيهم..
لن يذكر التاريخ إلا اسماً حقق العديد من الإنجازات لخروجه عن المألوف وتجاوزه لحدود الإمكان ودخوله حيز اللا إمكان الذي يقف عنده الآخرون....
فغاندي نال الزعامة علي العالم بأسره لأنه ابتكر سلاحاً جديداً في الحرب ضد الاستعمار هو جوع الفلاسفة أو فلسفة الجوع....
والسادات سطر التاريخ اسمه لأنه لم ينتصر في معركة بين مصر وإسرائيل فحسب .. ولكنه هزم المستحيل بعبور خط بارليف وخداع أقوي أجهزة المخابرات في العالم من خلال تسيير منظومة الدولة كلها في مسلسل خداع لم يعرف التاريخ مثله لإخفاء مظاهر الاستعداد للحرب وتوقيت بدء المعركة.
وفي الجمارك ومنذ عام 1980 وحتى اليوم ... جاء وذهب المئات ولكن التاريخ يبقي يذكر القليل منهم فقط...أعداد لا تتجاوز أصابع اليد لأنهم أسهموا في إحداث تحول حقيقي علي أرض الواقع من خلال إبداعاتهم الإدارية أو شخصيتهم التي تتسم بالزعامة النادرة أو إتصافهم بالتواضع وبالتالي حب الناس.
كم من شخص تولي منصباً فزان المنصب
وكم من شخص تولي منصباً فزانه المنصب
والفرق كبير....... فمن يسعي لتحقيق المجد الشخصي ويحرص علي أن يكون اسمه مضيئاً في كل موقع سيسقط حتماً من ذاكرة التاريخ بعد ثواني معدودة من إنحسار الضوء عنه وتركه للموقع الذي جعله موضع اهتمام الناس ...
ومن سعي لتحقيق الفائدة للناس والمجتمع ولو علي حساب نفسه وعمل بقول ربنا سبحانه وتعالي " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" فسوف تبقي الأضواء حوله وعليه تضئ اسمه في قلوب أولئك الذي كان يحرص دائماً علي تحقيق النفع والفائدة لهم، وسوف تحمل القلوب له الحب لسنوات وسنوات طويلة بعد أن يأتي غيره إلي المكان الذي أضاءه.
العمل ليس هو وسيلة الخلود ...لأن العمل أمر واجب علي كل من يتقاضي أجراً ..
وإتقان العمل ليس هو وسيلة الخلود ....لأن إتقان العمل هو أمر إلهي واجب علي كل من يعرف ربه ..
ولكن التفاني في العمل والخروج من حيز الممكن إلي دائرة المستحيل هو سر الخلود..
فهل من مدّكر؟

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال