تواجه الجمارك اليوم العديد من المستجدات سواء في بيئة العمل المحلية أو الدولية تؤدى إلى دفعها لمواكبة هذه التحديات , وعملاً بالقول الشائع في علوم الإدارة أن الموارد البشرية هي رأس المال البشرى وهى أهم الموارد المتاحة للجمارك و التي تحقق من خلالها الميزات التنافسية على المستوى المحلى والإقليمي والدولي .
إن هذه الموارد البشرية لا تقوم بتحقيق تلك الميزات التنافسية إلا إذا تمتعت بالقدر المناسب من الكفاءة و الفاعلية و المهارة و القدرة و المعرفة والإلتزام. ومن أهم المستجدات التي تواجه الجمارك اليوم هي "رأس المال الفكري " الذي يعتبر اليوم أثمن الموجودات (الأصول) بالنسبة للكثير من المنظمات سواء المحلية أو العالمية بل ويشكل قوة الدفع الأساسية لعجلة النمو الإقتصادي في الزمن الحالي أو في المستقبل القريب أو البعيد. ويتكون رأس المال الفكري من الإختراعات الفنية والإدارية (know-how) والأسرار التجارية والعلامات التجارية والتصاميم والإبتكارات الأدبية والفنية وعدة أشكال أخرى من الملكية الفكرية والموجودات اللامادية من نتاج الإختراع والإبتكار. ولا شك أنه من مصلحة إقتصاديات الدول والمجتمعات توفير الحماية الكافية والفعالة لحقوق الملكية الفكرية وإنفاذها، مع المحافظة على توازن عادل بين مصالح مختلف الأطراف المعنية. وعلاوة على ذلك فإن قوانين الملكية الفكرية المعاصرة تعترف بالحاجة إلى حدود مشروعة وذلك من أجل المحافظة على التوازن السياسي والإقتصادي في المجتمع. ونظرا لأن موضوعات الملكية الفكرية تعتبر المحرك الأساسي للعديد من المصالح التجارية والسياسية، كان لابد من تناول الموضوع من مختلف جوانبه بغرض تزويد المتلقي بفهم أعمق لقضايا وثيقة الصلة بالملكية الفكرية المعاصرة وعلاقتها بالنظام الجمركي الدولي و المحلى. إن الإبداعات والإختراعات والمنتجات الفكرية والشبكات العالمية تشهد عملية تطور متواصلة، تتطلب إطلاع المجتمع الجمركي على كل تفاصيل الدور الذي يجب أن يقوم به سواء لحماية هذه الحقوق أو لحماية المجتمع من مخاطر التزيف والتقليد.
ما هى الملكية الفكرية ؟
إبتكار فكري يمتلكه فرد أو مؤسسة، ويعود للمبتكر بعد ذلك الإختيار بين إتاحة هذا الابتكار بحرية للآخرين أو ضبط وتنظيم استخدامه بأساليب معينة.
وتكاد الملكية الفكرية أن تكون موجودة في كل مكان ، فهي موجودة في المصنفات الإبداعية مثل الكتب والأفلام والإسـطوانات والموسيقى وبرمجيات الحاسب، كما تتمثل في السلع الإستهلاكية مثل السيارات وأجهزة الحاسب والأدوية ومختلف أنواع المعامل التي تم التوصل إلى إنشائها بفضل التقدم العلمي والتقني. ويندرج ضمن الملكية الفكرية الصفات المميزة، مثل المسميات التجارية والتصاميم، التي نعتمد عليها في إختيار ما نود شراؤه من المنتجات. وبعض هذه الحقوق ترتبط بمنشـأ المنتج..
إن الكثير مما نطلع عليه أو نستخدمه على شبكة الإنترنت، سواء أكان صفحة من صفحات الإنترنت أو إسم موقع يمثل نوعا من أنواع الملكية الفكرية. لماذا تحتاج الملكية الفكرية للحماية ؟ ومن المستفيد من ذلك؟ يمكن من خلال نظام حقوق الملكية الفكرية أن ننسب أي ابتكار أو اختراع إلى الشخص المخترع أو المنتج، ثم يمكن نتيجة لذلك حماية هذه الملكية للمبتكر أو المنتج لذلك الإبتكار والإستفادة منه تجارياً. ويعترف المجتمع، من خلال حماية حقوق الملكية الفكرية بالمنافع التي تنتج عن تلك الحماية مما يوفر الحافز الذي يحمل الناس على إستثمار الوقت والموارد في تشجيع الإبتكار ونشـر المعرفة.
ويجب أن ننوه هنا أنه قد تم وضع نظام حماية حقوق الملكية الفكرية بشكل يعود بالفائدة على المجتمع ككل ويضمن التوازن بين احتياجات المخترع والمستهلك. وتتيح حقوق الملكية الفكرية لأصحابها ضبط إستخدام مصنفاتهم لمدة محددة من الوقت، ومقابل منح مثل هذه الحقوق يستفيد منه المجتمع بعدة طرق:
- المحافظة على المنافسة العادلة وتشجيع إنتاج العديد من السلع العالية الجودة وتوفير الخدمات الجيدة .
- تعزيز النمو الإقتصادي والتوظيف.
- دعم الإبتكار والإختراع .
- تشجيع التقدم التقني والثقافي.
- إثراء المعرفة والثقافة لدى المجتمع.
قد يضطر المبتكرون، عندما لا تتوفر الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية الضرورية أو يصعب تطبيقها,إلى الإعتماد أكثر على وسائل أخرى لحماية أنفسهم من التنافس غير المشروع كاللجوء إلى الأسرار التجارية أو العقود أو وسائل تقنية أخرى لمنع التقليد.
كيف تتم حماية الملكية الفكرية؟
تتم حماية الملكية الفكرية عادة عن طريق منح مخترع لمصنف ما حقوقاً حصرية لإستغلال مصنفه إستغلالاً تجارياً لمدة محدودة من الزمن. ويحق لأصحاب هذه الحقوق أيضاً بيعها أو الترخيص باستخدامها أو التصرف فيها بطرق أخرى. إن القوانين المحلية في كل بلد هي التي تنظم إجراءات حماية وتمنح حقوق الملكية الفكرية. وعلاوة على ذلك فهناك الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الملكية الفكرية التي تنظم العلاقة بين القوانين والإجراءات أو تسمح بتسجيل حقوق الملكية الفكرية في عدة دول في وقت واحد.
وتتم حماية مختلف أنواع الملكية الفكرية، كالإبداعات الأدبية والفنية والاختراعات والعلامات التجارية والرسومات بطرق مختلفة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
- تتم عادة حماية الإبداعات في المجالات الأدبية والفنية، كالكتب واللوحات والموسيقى والأفلام والإسطوانات وبرامج الحاسوب، بواسطة حقوق التأليف أو ما يعرف بالحقوق ذات الصلة.
- تتم حماية الإختراعات التقنية عادة بواسطة البراءات.
- بالإمكان حماية الصفات المميزة، كالكلمات والرموز والروائح والألوان والأشكال، التي تميز مصنف أو خدمة ما عن غيرهما، بواسطة حقوق العلامة التجارية.
- تنطبق حماية الرسومات والتصاميم على المظاهر الخارجية المعينة التي تتسم بها السلع، مثل الأثاث وقطع أجسام السيارات وأدوات المائدة والمجوهرات .
- تعتبر المؤشرات الجغرافية والأسرار التجارية كذلك أنواعاً من الملكية الفكرية وتوفر لها معظم الدول أنواعا معينة من الحماية القانونية.
- تساعد أحكام منع التنافس غير المشروع في المجال التجاري أيضاً على حماية الأسرار التجارية وأنواع أخرى من الملكية الفكرية.
- تتوفر في بعض الدول حماية قانونية معينة للأصناف النباتية والدوائر المتكاملة وقواعد البيانات. وقد ساعدت هذه الحماية في تشجيع إيجاد مجالات متنوعة من الأعمال.
وبالإمكان حماية نفس المنتج بواسطة أكثر من نوع من أنواع حقوق الملكية الفكرية في عدة دول في نفس الوقت.
حقوق التأليف :
وضعت حقوق التأليف لتشجيع إنتاج الإبتكارات الفنية والمؤلفات الأدبية والموسيقية والكتب واللوحات والسينما والإسـطوانات والبرمجيات الأصلية. ويكافئ نظام حقوق التأليف الإنتاج الفني بإتاحة المجال للمنتج للإستفادة من مصنفه تجارياً، وعلاوة على منح الحقوق الإقتصادية، تمنح حقوق التأليف أيضاً حقوقاً معنوية للمؤلف أو المخترع تمكنه من طلب الحماية لمصنفه ومنع أي تشويه أو تحريف لمصنفه قد يلحق الضرر بسـمعته. ويجب أن يكون المصنف إبتكاراً أصيلاً يتخذ شـكلاً معيناً وثابتاً، لكيَ يستحق الحماية الخاصة بحقوق التأليف وتصبح حقوق التأليف تلقائياً حقاً مكتسباً للمؤلف فور إبتكاره للمصنف، مع العلم بأنه توجد في بعض البلدان نظم تسجيل توفر منافع إضافية. ومن ثم يجوز ترخيص ذلك المصنف أو التنازل عنه، مثلا لناشـر أو منتج كما جرت العادة، وعليه يمنح المؤلف حقاً إستئثارياً في العمل لمدة معينة تبدأ عادة من تاريخ إبتكار المصنف وتمتد الى خمسين أو سبعين عاماً بعد وفاة المؤلف.
ويسمح قانون حقوق التأليف للمؤلف التحكم بأنواع معينة لإستخدام مصنفه. وتشمل أنواع الإستخدام هذه التي يجوز المؤلف السماح بها أو منعها، إستنساخ المصنف أو توزيعه أو تأجيره أو تسجيله أو نقله إلى عموم الناس أو إذاعته أو ترجمته أو إقتباسـه. ولا يملك المؤلف في بعض الدول حق منع أنواع معينة من استخدام مصنفاته، إلا أنه يبقى له الحق في تلقي أجر لقاء إستخدامها. وتوجد في كل دولة إستثناءات تتيح لعموم الناس أنواعاً معينة من إستخدام تلك المصنفات دون دفع أجر أو الحصول على إذن من المؤلف. ومثال ذلك الإستشهاد بعبارات محدودة لأغراض الإيضاح أو التعليم.
وتوفر معظم الدول حماية مماثلة لمنتجي التسجيلات الصوتية والفنانين والمذيعين، ويتمتع الفنَانون والمنتجون والمذيعون في بعض الدول والذين يقدمون أعمالاً محمية بحقوق التأليف بحماية حق المؤلف تماماً مثلما يتمتع بها المؤلفون أنفسهم. وفي دول أخرى يتمتعون بدلاً من ذلك بحقوق مشابهة أو حقوق ذات صلة. وقد اكتسبت حقوق المؤلف أهمية متزايدة مع ظهور التقنية الرقمية والإنترنت حيث تشكل نوعاً مهماً من حماية الملكية الفكرية للمحتوى الذي يوزع عبر الإنترنت، وحيث تواجه الحماية صعوبة في التطبيق.
وتوجد عدة إتفاقيات دولية خاصة بحماية حقوق التأليف والحقوق ذات الصلة منها:
- إتفاقية بيرن (لسنة 1886) بشأن حماية المصنفات الأدبية والفنية.
- إتفاقية روما (لسنة 1961) بشأن حماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة.
- إتفاقية جنيف (لسنة 1971) بشأن حماية منتجي التسجيلات الصوتية من استنساخ تسجيلاتهم دون تصريح،
- معاهدة الوايبو بشأن حقوق التأليف (1996)،
- معاهدة الوايبو بشأن الأداء الفني والتسجيل الصوتي (1996).
- إتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (1994) أول إتفاقية متعددة الأطراف بشأن الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية. وتغطي هذه الإتفاقية معظم أنواع الملكية الفكرية بما في ذلك حقوق التأليف والحقوق ذات الصلة.
وفى مقال آخر نتناول بمشيئة الله تفاصيل أكثر لبراءات الإختراع، والتصاميم، والأسرار التجارية باعتبار أنها من حقوق الملكية الفكرية الهامة التي تتطلب المزيد من التفصيل للوقوف عليها نظرا لأهميتها في العمل الجمركي.
التسميات
رقابة جمركية