يا عزيزى كلنا لا نحب مصر - محمود أبو العلا

أعتقد أن رفاهية الدول و تقدمها و حضارتها .... ليس سببه التاريخ القديم .... وإلا كانت مصر والهند من أكثر الدول تقدماً بينما يعدا أفقرهما و أكثرهما تخلفاً ، وليس سببه الثروات الطبيعية ..... وإلا كانت بولندا ورومانيا وشيلي مثلاً من أكثر الدول تقدما بينما هي دول فقيرة تكافح من أجل النمو، وليس سببه كثرة السكان ....وإلا كانت الصين و الهند من أسعد الشعوب بينما تتجاوز معدلات الفقر والمعاناة في كلاهما أي معدلات أخري في العالم ..
ومن الناحية الأخرى فالتاريخ لم يمنع أمريكا من رفاهية العيش والتقدم والاستقرار و الحضارة رغم أن عمرها لم يتجاوز 300 عام ، وقلة الموارد الطبيعية لم تمنع اليابان من رفاهية العيش وأن تكون القوة الجبارة في الصناعة وهي عبارة عن مجموعة من الجزر صخورها بركانية لا تهب أي حياة أو موارد طبيعية ، وقلة السكان .... لم تمنع سنغافورة و أيسلندا و فلندا و سويسرا من أن تكون أرقي و أعلي مستوي رفاهية للبشر في العالم رغم أنها تعاني من نقص مع السكان .!!!
إن الدول التي تخلفت....إتصفت بإنعدام الأخلاق و إنتشار الفساد و غياب النظام و المحسوبية و سيادة قانون البقاء للأقوى . والدول التي تقدمت .... إتصفت بالتمسك بالمبادئ وعبادة النظام ... وسيادة القانون فوق الجميع وسريان العدل و العدالة في كل الأمور .
هناك ..في كل مكان في العالم .. الكل يعمل من التاسعة إلي الخامسة مساء ، أو كم آخر مساوي لهذا العدد من ساعات العمل وبإنتاجية تصل أو تزيد عن 95% من وقت العمل..
إن أقل معدل إنتاجية لا يقل عن 70% من وقت العمل ، بمعني أن أقل عدد من الساعات التي يعمل فيها المواطن في تلك الدول المتقدمة هو 5 ساعات وأربعون دقيقة في اليوم .. وتعالي لنقارن أنفسنا بهم !!!
إن إنتاجية أكثر من 90 % من العاملين بالجهاز الإداري للدولة في مصر لا تتجاوز نصف ساعة في اليوم، وللأسف فهذا رقم صادر عن وزير الدولة للتنمية الإدارية في الحكومة الأخيرة قبل الثورة !!! مؤشر خطير، وترجمته أخطـــــر !!
إن العاملين في الحكومة لو إرتفعت إنتاجيتهم الزمنية إلي 3 ساعات من الثمانية التي يعملونها إفتراضيا لما وجدنا شكوى واحدة للمواطنين الذين يتعاملون معها. فنستخرج التصاريح والتراخيص والموافقات والشهادات في نفس اليوم أو يومين علي الأكثر بدلاً من الشهور الطويلة، وتقل أزمة المرور مع بقاء الحال علي ما هو عليه إلي النصف علي أقل تقدير بسبب بقاء عدد كبير من الذين يسببون الإختناقات أثناء تركهم لأماكن عملهم وخروجهم منها الغير قانوني، وتنتهي أزمة الدروس الخصوصية و أزمة العيش وأزمة طوابير الجمعية، بل أراهن علي أن يزداد دخل الفرد الحقيقي بنسبة أكثر من 25 % دون زيادة عدد الجنيهات التي يحصل عليها كدخل وتتحقق هذه الزيادة من وفورات الوقت فقط الذي يضيع عليه وبسببه يتحمل نفقات معيشية أكثر مما كان يدفعه لو إلتزم الجميع.
الزيادة السكانية ليست هي المسئولة عن فقرنا و تخلفنا ...إن المشكلة تكمن في إنعدام الأخلاق ...ووفاة المروءة ... ورحيل الضمير .... المشكلة في ظهور مفاهيم بديلة لقواعد الدين ومبادئ المجتمع تشجع السير علي رقاب العباد والتربح من جوعهم و الغني و الثراء الفاحش علي حساب الضمير ، تدعو إلي غرس مبادئ الفساد في أولادنا حتي صار الأب ينصح الأبن بكلمة إنتشرت بين الجميع إنتشار النار في الهشيم ... بينما لا تمت لأخلاقنا ولا لعقيدتنا بصلة ( معاك قرش تساوي قرش)
وبناء علي هذه المفاهيم الجديدة .. سيذهب إلي القمة متربح محتكر جمع أموالاً فوق ما كان لدي قارون مرات ومرات . ويذهب إلي القمة موظف باع ضميره وأعطي من لا يستحق ما لا يستحق وحرم المستحق مما يستحق. وسيجلس علي القمة كل من يستغل حاجات الناس ويتاجر في الشرف و الضمير لأنه بلا شرف أو ضمير.
والقمة هنا هي قمة السلطان .. والمال .. والسيارات الفارهة .. وليست بالطبع أي قمة للحضارة أو المبادئ أو القيم، وسيهوي إلي القاع كل من تسول له نفسه للتمسك بالمبادئ واحترام الأخلاق ، وإعلاء صوت الضمير والتحلي بالخلق السوي...
المشكلة بسيطة يمكن أن تكون الحياة كلها وردية ... إذا رفعنا الأخلاق عالياً و نبذنا الفساد، وإذا عملنا بالشعارات التي نقولها كثيراً ولا يغفلها و لايقولها الآخرون في بلادهم ولكنهم يعيشونها . . إذا أحببنا بلدنا أكثر من حبنا لأنفسنا.. وكلنا يا أخواني لا يحب هذا البلد كما يجب أن يكون حب الوطن..

1 تعليقات

يسعدنا قبول تعليقاتك

  1. خالص الشكر للقائمين على المجلة وعلى هذا المجهود الرائع

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال