تأملات فى الهيكل التنظيمى لمصلحة الجمارك - أحمد مايج

سوف أعود بالذاكرة إلى مجموعه قصصية للكاتب المحبوب العبقري احمد رجب أطال الله في عمره بعنوان صور مقلوبة ومضمون كل قصه من محتويات الكتاب هو النقد الساخر لأحدى السلبيات الموجودة بمجتمعنا ، وأحدى هذه القصص القصيرة على ما أتذكر بعنوان بيروقراطي جدا وتحكى عن زيارة وفد أجنبي لإحدى مؤسسات الدولة وكان ضمن برنامج الزيارة عزومه الوفد على وجبه كباب وكفته ولكن تشاء الظروف أن يرحل الوفد الاجنبى قبل أن يتناول وجبة الكباب والكفتة بعد أن تم إحضارها ويستعرض أديبنا الساحر الجميل المبجل كيف أن أحد الموظفين تجرأ و أشار بأن يأكل الموظفون الوجبة ولكن المسئول الواعي الفاهم لعمله أستنكر ذلك باعتباره تبديد للمال العام وقام بعد قطع الكباب والكفتة ووزنها وحدد مقاساتها وذلك على الاستمارة الرسمية الخاصة بذلك وإدخالها في عهدته وتتطور بنا القصة إلى شراء ثلاجة لحفظ الكباب والكفتة ( العهد الرسمية) ولما كان الموظف المسئول عن الكباب والكفتة لا يستطيع بمفرده مراقبة الثلاجة 24 ساعة حيث من المحتمل انقطاع الكهرباء أو حدوث عطل بالثلاجة مما يترتب عليه تعرض العهدة للتلف والوقوع تحت طائلة المسئولية ، فطلب تعيين اثنين موظفين مساعدين له بنظام الورديات وتم تعيينه رئيسا عليهم فأصبح لديه في الهيكل قسم أسمه ( قسم الكباب المثلج) ونظرا لاحتمال انقطاع الكهرباء تم فتح أعتماد لشراء لوح ثلج يومياً على سبيل الاحتياط لمواجهة هذا الاحتمال كما يتمادى كاتبنا الكبير فيجبرنا بأنه تم الإعلان عن مزاد علني لبيع الكباب في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار وذلك ثلاث مرات ولم يتقدم احد ثم وصلنا في النهاية أن أصبح لدينا فى الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسة وحده تنظيميه تحت مسمى الإدارة العامة للكباب المثلج.
هذه المقدمة تقود إلى استعراض بعض السلبيات في الهيكل التنظيمي لمصلحة الجمارك المطبق حاليا والصادر بقرار وزير المالية رقم 551 لسنه 2006 ومن البديهي أن الفرد الذي يعمل بمفرده يواجه مشكلات تنظيميه محدودة فهو مسئول عن تحقيق أهدافه وعن حل المشكلات التي قد تعوق تحقيق تلك الأهداف، وكذلك جدولة الأنشطة التي يقوم بها سعيا نحو أهدافه.
فإذا انضم إليه شخص أخر أو أكثر للمشاركة في أنجاز العمل نشأ على الفور ضرورة إنشاء التنظيم، حيث تنشأ الحاجة إلى أنواع جديدة من القرارات غير التي يتخذها الشخص الذي يتعامل بمفرده وتتعلق تلك القرارات الجديدة بأنماط العلاقات بين الأفراد الذين يؤدون عملا مشتركا وحدود اختصاص كل منهم، ومن هنا تنشأ الحاجة إلى الهيكل التنظيمي 
فالهيكل التنظيمي للمؤسسة أشبه بالهيكل العظمى للإنسان، فصحة الهيكل التنظيمي للمنظمة دليل صحة هذه المنظمة والعكس صحيح

أما خطوات عمليه إعداد الهيكل التنظيمي لأي مؤسسة:

  • تحديد هدف المؤسسة.
  • تحديد الانشطه الضرورية لتحقيق الأهداف والسياسات والخطط الموضوعة.
  • تجميع الانشطه المتشابهة في وحده وظيفية.
  • تجميع الوحدات المتشابهة في وحده إدارية.
  • تجميع الوحدات الاداريه المرتبطة ببعضها في وحده رئاسية (وحدة إدارة عليا).
  • تفويض رئيس كل مجموعه السلطة الضرورية لأداء هذه الانشطة.
  • ربط هذه الانشطه والوظائف والإدارات مع بعضها أفقيا وراسيا من خلال علاقات السلطة والمسئوليه للوحدات المرتبطة راسيا ، وعلاقات التعاون للوحدات المرتبطة افقيا.
  • رسم الهيكل التنظيمي الذي يوضح الوظائف والسلطات والعلاقات.
  • إعداد الوصف و التوصيف الوظيفي لكل وحده وظيفية.
  • تحديد إجراءات القيام بأعمال كل وحده وظيفية

والهيكل التنظيمي للمنظمة يمتلك ثلاثة أجزاء أساسيه هي:

1) التعقيد:
ويشير إلى عدد الانشطه والوظائف داخل المنظمة ودرجه التخصص وتقسيم العمل والمستويات الإدارية والمواقع الجغرافية و كلما ازدادت هذه العناصر ازداد التعقيد في الهيكل التنظيمي
2) المعيارية:
وتعنى مدى اعتماد المنظمة على القواعد والإجراءات من أجل توجيه سلوك العاملين في أنجاز عمل أو وظيفة معينه ، فكلما كانت هناك خطوات موحده لأداء وإنجاز مجموعه من الانشطه المتشابهة وأن هذه الخطوات لا يجوز الخروج عليها أو تجاوزها كانت المعيارية عالية ( لدينا في الهيكل التنظيمي لمصلحه الجمارك قطاع تحت مسمى قطاع النظم والإجراءات ) فخطوات أنجاز الأعمال في مصلحة الجمارك تتسم بمعياريه عالية وهذا يؤثر في تكوين الهيكل التنظيمي للمصلحة
3) المركزية:
تشير المركزية إلى المستوى التنظيمي الذي له حق اتخاذ القرار ، فبعض المنظمات لديها مركزية عالية فتكون معظم القرارات من الإدارة العليا والبعض الأخر يكون هناك تفويض في اتخاذ القرار للمستويات من الإدارة العليا والبعض الأخر يكون هناك تفويض في اتخاذ القرار للمستويات الدنيا والمركزية واللامركزية لها دور كبير في تحديد الهيكل التنظيمي ( يجب إن يتيح الهيكل المثالي لمصلحة الجمارك أقصى درجات اللامركزية خاصة فى المواقع التنفيذية.

خصائص الهيكل التنظيمي الجيد:

حتى يكون الهيكل التنظيمي فعال ويخدم أهداف وإدارة المؤسسة وحتى نحكم على هيكل تنظيمي انه جيد لا بد من توافر عدة عناصر في هذا الهيكل وهى:
* الاستفادة من التخصص:
وذلك ان يقوم كل عامل بأعباء وظيفة واحدة أو قسم لكل عمل حتى تتحقق سرعة الإنجاز والإتقان وخفض التكلفة
* التنسيق بين أعمال المنظمة:
بحيث يتم القضاء على الازدواجية والتكرار والعمل على مبدأ التكامل بين أعمال المنظمة
* الاهتمام بالنشاطات المهمة للمنظمة والتمييز بين المهم والأقل أهمية:
الهيكل التنظيمي الجيد يعطى الأولوية والاهتمام للأنشطة الرئيسية ويضعها في مستوى إدارى مناسب
* فعالية الرقابة:
إن الهيكل التنظيمي الجيد يتيح رقابة فعالة بحيث يتم فصل الرقابه ولا تكون الوظيفة التي تخضع للرقابة مع نفس الموظف القائم بها
* مراعاة الظروف البيئية:
فلابد من الاهتمام و النظر للبيئة ألداخليه و الخارجية للمنظمة و تأثيراتها عليها بحيث يكون على درجه من المرونة للاستجابة لأية تغيرات أو طوارئ .
* عدم الإسراف :
يعتبر الهيكل التنظيمي جيدا إذا راعى التكاليف اللازمة لاحتياجات الهيكل من تخصص ووحدات بحيث يتم تقرير التقسيمات التي من المتوقع ان تكون فوائدها طويلة الأجل .
من العيوب الموجودة بشده في الهيكل الحالي لمصلحة الجمارك الإسراف في استحداث وحدات تنظيميه دون مبرر ودون حاجه فعليه وذلك بهدف خلق وظائف اشرافيه وقيادية لأكبر عدد من العاملين وهذا الاستهداف يتناقض مع إعداد هيكل تنظيمي جيد ويتناقض أيضا مع صالح العمل.

اما بالنسبة للهيكل التنظيمي لمصلحة الجمارك المفعل حاليا والصادر بقرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 461 لسنه 2006 وقرار وزير المالية رقم 551 لسنه 2006

بالتأمل في هذا الهيكل ومن واقع خبرتنا المتواضعة في بعض المواقع الجمركية وما أسفرت عنه محاولات تفعيل هذا الهيكل ، فان الهيكل التنظيمي الذي يتناسب مع طبيعة الأعمال بمصلحة الجمارك لابد أن يجمع بين التقسيم الجغرافي والوظيفي وأن يتوسع في المواقع التنفيذية المتعاملة مع الجماهير والمجتمع التجاري بمعنى أن نرتفع بالمستوى التنظيمي لقيادات المواقع التنفيذية حتى تكون هذه القيادات متمتعة بصلاحيات القرار إلى حد كبير دون الرجوع إلى مستويات أعلا وذلك لطبيعة المواقع التنفيذية والتي تتطلب سرعة اتخاذ القرار حتى تنساب الأعمال في سلاسة ويسر وقد لمسنا الكثير من العيوب في هذا الهيكل وأبرزها :
1) الازدواجية والتداخل في الاختصاصات ويتضح هذا على وجه الخصوص عند استعراض اختصاصات قطاع الالتزام التجاري وبمقارنتها بما هو موجود من اختصاصات مماثلة في الإدارات المركزية لدعم العمليات بالمناطق الجمركية الثلاث بقطاع العمليات الجمركية.
2) تضخم قطاع العمليات واتساع النطاق الاشرافى به بصورة كبيرة تشكل ابرز عيوب هذا الهيكل.
3) خلق إدارات دون ان يكون لها اختصاصات ضرورية ومحاولة افتعال اختصاصات لها مما خلق حالة من الازدواجية في الاختصاصات وإهدار العمالة ، لذلك نرى الارتفاع بالمستوى التنظيمي في التقسيم الجغرافي للمواقع التنفيذية وأن يكون لكل مستوى تنظيمي مجموعة من الاختصاصات والأعمال تتناسب مع هذا المستوى ، وحتى لا تكون المسميات الوظيفية عبارة عن عناوين بدون مضمون فعلى.
4) تفتيت مكونات العمل الواحد بقصد الإسراف في استحداث تشكيلات إدارية وهذا يتضح في إدارات كثيرة بالهيكل منها على سبيل المثال بعض الإدارات ألعامه التابعة للإدارة المركزية للمعهد الجمركي بقطاع الموارد البشرية وبناء القدارت وبعض الادارت العامة التابعة للإدارة المركزية للشئون القانونية والإدارة المركزية للتفتيش العام بقطاع شئون المصلحة.
وفيما يلي نستعرض بعض الاقتراحات لتعديل الهيكل التنظيمي الحالي وسأقصر كلامي على قطاع الموارد البشرية وبناء القدرات الذي أعمل به وقطاع العمليات الذي يمثل المجهود الأكبر للمصلحة وذلك على سبيل المثال وما ينطبق على هذين القطاعين ينطبق أيضا على باقي قطاعات المصلحة.

أولا: قطاع الموارد البشرية وبناء القدرات

(أ) بالنسبة للإدارة المركزية للموارد البشرية:

وتتكون من ست إدارات عامه هي :ـ
* الإدارة العامة للعمالة والتعيينات
* الإدارة العامة لشئون العاملين
* الإدارة العامة لنظم المعلومات الإدارية
* الإدارة العامة للمسار الوظيفي
* لإدارة العامة للتنظيمى الادارى والتصنيف
* الادارة العامة للموارد البشرية بالقطاعات
والوضع الامثل لإعادة هيكلة هذه الإدارة يتمثل في الاتى:
1) إلغاء الإدارة العامة للعمالة والتعيينات ونقل جميع اختصاصاتها إلى الإدارة العامة للموارد البشرية بالقطاعات مع تغير اسمها إلى الإدارة العامة للموارد البشرية وسياسات العمالة.
2) إلغاء الإدارة العامة للمسار الوظيفي ونقل اختصاصاتها للإدارة العامة للتنظيم الادارى والتصنيف بحيث يمثل المسار الوظيفي بإدارة تحت عباءة الإدارة العامة للتنظيم الادارى والتصنيف.
3) الإبقاء على وتدعيم الإدارة العامة لنظم المعلومات الإدارية وأن يضم إليها ألمسئوليه عن الملفات والسجلات ( فلا يتصور إدارة عامه لنظم المعلومات الإدارية لا تكون مسئوله عن الملفات والسجلات).
4) الإبقاء على الإدارة العامة لشئون العاملين بباقي اختصاصاتها.

(ب) بالنسبة للإدارة المركزية للمعهد القومي الجمركي

فقد تم تفتيت وظيفة التدريب التي هي النشاط الرئيسي للمعهد إلى ثلاثة إدارات عامة تحت المسميات الآتيه:
1) الإدارة العامة لتطوير المناهج والبرامج التدريبية
2) الإدارة العامة لتنفيذ البرامج التدريبية
3) الإدارة العامة لمتابعه وتقيم التدريب
واقتصر الهيكل التنظيمي للمعهد على ذلك دون تطرق لوضع معهد الإسكندرية ككيان أدارى ومعاهد القاهرة والفروع باعتبارها كيانات إدارية أيضا وهذا خلل جسيم في الهيكل إذا لابد أن يجمع المعهد بين التقسيم الوظيفي ممثلا في نشاط التدريب وتكون مسئوله عنه إدارة عامه واحده على مستوى المصلحة والتقسيم الجغرافي لباقي أنشطه المعهد والوضع الأفضل من وجهة نظري لهيكل المعهد هو:
1) الإدارة العامة للتدريب ويندرج تحتها جميع الأنشطة المتعلقة بالتدريب على مستوى المصلحة
2) الإدارة العامة للمعهد الجمركي بالإسكندرية.
3) الإدارة العامة للمعهد الجمركي بالقاهرة والفروع.
وقد ثبت أن عدد المتدربين بالقاهرة والفروع أكثر من عدد المتدربين بالاسكندرية.

ثانيا :ـ قطاع العمليات:

تضخم الهيكل التنظيمي لقطاع العمليات الجمركية مقارنة بباقي القطاعات..
هيكل قطاع العمليات يجمع بين التقسيم الوظيفي والجغرافي ويعانى التضخم والازدواجيه التنظيمه مع باقي قطاعات المصلحة لذلك نرى أجراء التعديلات الاَتيه على قطاع العمليات الجمركية
1) إلغاء وظيفة رئيس قطاع العمليات الجمركية
2) إلغاء الإدارة المركزية لدعم البرامج حيث لاتكون هناك حاجة إليها لان اختصاصاتها الحالية تمثل ازدواج وتكرار لما هو موجود بالمناطق الجمركية الثلاث.
3) وهو الأهم رفع المستوى التنظيمي للمناطق الجمركية الثلاث من إدارت مركزية إلى قطاعات حيث يبلغ متوسط عدد العاملين بكل منطقة جمركية 4000 تقريبا ، وتصبح كل منطقة قطاع جمركي مستقل ، وأيضا التخلص من العيب التنظيمي الموجود حاليا حيث يرأس المنطقة الجمركية (رئيس إدارة مركزية) وهو تحت رئاسته رؤساء إدارت مركزية مثله0
4) إلغاء الإدارة المركزية لخدمة كبار العملاء واستحداث عدد 3 إدارات عامة لخدمة كبار العملاء تكون تبعيتها لرؤساء قطاعات المناطق الجمركية الثلاث (المقترح)
5) تعديل مسمى الإدارة المركزية لدعم العمليات بكل منطقه إلى الإدارة المركزية للدعم الفني وذلك لعدم ملائمة مسمى (العمليات) لطبيعة الأعمال الجمركية ، وسوف اكتفى بذلك ألان داعيا جميع الزملاء إلى فتح حوار جاد وبناء على صفحات مجلة الجمارك بخصوص الهيكل يشمل جميع قطاعات ألمصلحه وأرجو ان أكون قد ألقيت حجرا في البحيرة الراكدة
كما أتمنى ان تتحول المجلة إلى منتدى لمناقشه المشاكل التي تعترض العمل الجمركي واقتراح وضع حلول لها وقناعتي التامة إن أفضل حلول للمشاكل وأفضل مقترحات التطوير هي التي تنبع من مواقع العمل التنفيذي حيث المعاناة ألفعليه ( وأهل مكه أدري بشعابها).

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال