منازل قوم حدثتنا حديثهم * * * ولم أرىَ أحلى من حديث المنازل
(الشاعر: أبو يعلى المعري)
يعتبر التراث الحضاري المعماري وغيره على اختلاف أنواعه وأشكاله مبعث فخر للأمم واعتزازها ودليلاً على عراقتها وأصالتها، أي أنه معبّر عن الهوية الوطنية وهمزة وصل بين الماضي والحاضر، ومن المؤسف أن يكون ذلك التراث حتى وقت قريب مضى عرضةً للضياع والهدم، وبالتالي الإندثار والإهمال الذي تسبب في تلفها وخرابها.
ولذلك تم إنشاء المنظمات الدولية لتعتني بها وتصونها وترممها، كما أخذت ترصد الميزانيات المناسبة في حدود الإمكانيات المتاحة للإنفاق منها على الترميم والصيانة.
وصيانة التراث هى بمثابة التعبيرعن الإحترام للماضي والحرص على مواصلة الحوار معه لأن في ذلك ربطاً للماضي بالحاضر وتطلعاً إلى مستقبل زاهر مزدهر ومتطور.
والأثر التاريخى الجمركى الذى سنتحدث عنه ونناشد قيادات الجمارك للعمل على إنقاذه هو أثر تاريخى أمام أعيننا جميعا منذ عشرات السنين الذى علينا العمل على صيانته والحفاظ عليه وهو "جمرك الدخان".
فمن اللوحة المعلقة على باب جمرك الدخان والتى تحمل شهادة ميلاده بأن هذا المبنى التاريخي قد تم افتتاحه عام 1896 ميلادية - 1313 هجرية أى منذ أكثر من مائة وخمسة عشر عاما، وطوال هذه السنوات والأحداث التى مرت به ظل هذا المبنى صامدا أمام التاريخ، والمبنى بروعة تصميمه المعمارى الداخلى والخارجى وروعة تجهيزاته يصعب بإمكانياتنا الحالية ومواردنا المالية والتقدم العلمى والتكنولوجى أن ننشئ مثله.
وهذا المبنى يحدثنا عن تاريخ مصر فى مجال النشاط الجمركى إذ أنه منذ مائة وخمسة عشر عاما كان لدى مصر أول جمرك متخصص للدخان فى العالم، فهو يحدثنا عن التقدم والتطور الإدارى الذى كانت تعيش فيه الجمارك المصرية فى مجال ممارستها لأنشطتها.
فالمبنى يحدثنا يوميا عن تاريخ الجمارك المصرية وعراقتها، إلا أننا لم ننصت إليه بل صممنا أذاننا وأغلقنا أفواهنا ووضعنا الأقفال على بابه.
وهذا المبنى تم تصميمه وإنشاؤه فى عصر الخديوى إسماعيل أثناء الإحتلال البريطانى لمصر، وقد كان الخديوى إسماعيل يهتم بنقل الطراز المعمارى الغربى إلى مصر ويتضح ذلك من جمال وروعة التصميم فى مبنى جمرك الدخان.
والمبنى من الداخل رغم سوء حالته إلا إنه يعكس جمال التصميم وروعته، فالدور العلوى به صالة على مساحة أكثر من مائتين متر أرضيتها مصنوعة من الزجاج وذلك لتسمح للضوء وأشعة الشمس أن تنفذا من خلاله إلى الدور الأرضى، وإحدى الحجرات ومساحتها أكثر من مائة وخمسين مترا، مجهزة بدواليب مصنوعة من الخشب الزان لحفظ الشهادات غاية في الروعة وجمال نقوش الأعمدة الخشبية، تحيط بالحجرة بالكامل من مستوى الأرض إلى مستوى السقف بإرتفاع لا يقل عن عشرة أمتار، حتى بدت كأسوار القلعة في إحاطتها بالحجرة ويعلوها التاج الملكى.
هذا بالإضافه إلى اللوحات المعلقة على الحجرات بالمبنى والتى تعكس بساطة وسلاسة الهيكل التنظيمى المطبق فى هذا الوقت مثل ( قلم الحسابات وقلم الأفراد وغيرها من المستويات الإدارية) التى تم وضعها وتنظيمها بجوار بعضها البعض فى الحجرات الكائنة بالدور العلوى وتطل جميعا فى شكل دائرى على الصالة الزجاجية.
ومبادرة من الإدارة المركزية للتعاون الدولي والمعهد القومى للتدريب الجمركى فى أن يعامل هذا المبنى وغيره من المباني المعاملة التي يستحقها بعد مرور أكثر من مائة وخمسة عشر عاما على إنشائه، فإننا نرى ضرورة إتخاذ الإجراءات الآتية :
أولا: قيام الإدارة الهندسية بمصلحة الجمارك بحصر المبان الأثرية بالمناطق الجمركية الثلاث، وإعداد سجل لها ووضع برامج لصيانتها، ووضع لوحات داخل المبنى تحكى قصته وتاريخه.
ثانيا: إصدار كتيبات أو نشرات توزع علي العاملين والجمهور للتعريف بقيمة هذه المباني وتاريخها، و لتوعيتهم بكيفية الحفاظ عليها.
ثالثا: بخصوص جمرك الدخان فإن اللجنة المشكلة من الإدارة المركزية للتعاون الدولي والمعهد القومى للتدريب الجمركى ترى ضرورة اتخاذ الإجراءات الآتية:
* تسجيل هذا المبنى ضمن المبان الأثرية بالهيئة العامة للآثار، ولحين إتخاذ هذا الإجراء نرى إخلاءه من الموظفين.
* الإعداد والتخطيط لهذا المبنى بأن يكون متحفا جمركيا يعرض تاريخ الجمارك والعاملين به، مما سيعتبر عملا تاريخيا وإنجازا سيحسب لقيادات الجمارك من الأجيال القادمة.
أحداث واكبت إفتتاح جمرك الدخان في ذات العام 1896 ميلاديه - 1313 هجريه:
- وضع تصميم المتحف المصري بمعرفة المهندس الفرنسى/ مارسيل دورنو.
- أول عرض سينمائي في مصر بقهوة "زوان" بالإسكندريه.
- عام 1896تم إنشاء أول مدرسة للبوليس فى عنبر صغير بثكنات عابدين.
- مولد الفنان زكرياأحمد.
- إحياء أول أولمبياد فى العصر الحديث وأقيم بأثينا- اليونان.
- إنشاء الهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية.
التسميات
الواحة الجمركية