العلم يأتى كل يوم بجديد ويسرنا دائما أن نلقى الضوء على المجالات العلمية والاكتشافات التى تسهم فى تغيير وتطويرعالمنا خلال السنوات القليلة الماضية ، برز إلى الأضواء مصطلح جديد ألقى بظلاله على العالم وأصبح محل الاهتمام بشكل كبير ، هذا المصطلح هو " تكنولوجيا النانو" وعصر النانو تكنولوجي هو المستقبل الذي ينتظرنا بكل ما يحمله من تكنولوجيا لها مميزاتها ومخاطرها .... ومن خلال الصفحات التالية نتعرف على هذه التقنية.
مصطلح نانو يعني جزء من المليار، والنانو متر هو جزء من مليون من الملليمتر، قطر شعرة الإنسان هي 80 ألف نانومتر، إن النانو ثانية هي جزء من بليون من الثانية، النانو هو المقياس الذي يستخدمه العلماء عند قياس الذرة والالكترونيات، التي تدور حول نواتها. تم إستخدام مصطلح النانوتكنولوجي لأول مرة عام 1974 وذلك من قبل باحث ياباني حاول بهذا المصطلح التعبير عن وسائل وطرق تصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية عالية. أما البوابة إلى عالم الذرات فقد تم فتحها عام 1982 عن طريق باحثين سويسريين حيث قاما بتطوير الميكروسكوب الأكثر دقة من أجل مراقبة الذرات وإمكانية التأثير بها وإزاحتها وبعد إنجازهما المشترك بأربع سنوات 1986 حصلا على جائزة نوبل.
وتتلخص فكرة استخدام تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح، وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير. فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس، أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وتعتبر طرق التصنيع اليوم غير متقنة على مستوى الجزيئات. فالصب والطحن والجلخ وحتى الطباعة على الحجر تقوم بنقل الذرات في مجموعات ضخمة.
وفي المستقبل، سوف تسمح لنا تكنولوجية التصغير أن نقوم بترتيب مكونات البناء الجوهرية بسهولة حسبما تسمح به قوانين الطبيعة، فهذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم والهندسة ، وستلقي بظلالها على كافة مجالات الطب الحديث وكذلك الصناعات الإلكترونية المتقدمة في أكثر من مجال، والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وحتى الحياة اليومية للفرد العادي فهي و بكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله وذلك عن طريق صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها البعض بشكل لا نتخيله وبأقل كلفة ممكنة ، وسوف يكون هذا الأمر حيوياً وهاماً في ثورة مكونات الكمبيوتر ، كما سوف تسمح بتصنيع جيل جديد تماماً من المنتجات الأنظف والأقوى والأخف وزناً بل والأكثر دقة. وسينعكس أثرها على كافة الاستعمالات خاصة الطبية منها بشكل كبير جدا، وسيشهد التقدم العلمي في المجالات الصحية وغيرها من المجالات، طفرة لن يتخيلها العقل.
ولتقريب الفكرة، في هذه الصورة نلاحظ وجود ترس لجزء من محرك نانوتكنولوجي بحجم حبيبة غبار وفوقه حشرة وهذا يوضح أن العلماء يستطيعون صنع آلات صغيرة بصغر حبيبة الغبار! (حجم حبيبة الغبار يوازي حجم ربع نقطة عادية على الصفحة) هذا المثال جزء فقط مما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحقق.
وكان أول تطبيق عملى لتكنولوجيا النانو في عام 1988 فى مجال الكمبيوتر، عن طريق العالم (فير) الفرنسي والعالم (غرونبرغ) الألماني عبر بحوث مستقلة تم تطبيقها عمليا في تخزين المعلومات على الأقراص الصلبة.
أما العالم المصري أحمد زويل، استخدم تكنولوجيا النانو في ابتكاره كاميرا، تستطيع أن تصور تفاعلات الذرة، خلال كسر من عشرة من النانو ثانية، فنال جائزة نوبل عن ابتكاره، الذي يستطيع أن يصور الذرات، أثناء تفاعلاتها فعلياً، وبالتالي يفتح مجالاً للتدخل والتحكّم فيها. ومن الرواد العرب في هذه التقنية العالم العربي البروفسور منير نايفة في جامعة الينوى الأميركية.
حيث يهتم بصناعة أجهزة نانوية وتطبيقات متناهية الصغر. وفى 1992 استطاع البروفسور نايفة أن يحرك الذرات المنفردة ورسم بواسطة الذرات صورة تمثل القلب والحرف الانجليزي (P) كأصغر حرف في تاريخ الخط بعرض خمسة بالمليون من الملليمتر.
للوصول إلى مواد وأجهزة وآلات مصنعة بالنانو تكنولوجي هناك ثلاثة مراحل هي:
- العلماء عليهم أن يتمكنوا من التأثير والتحكم بكل ذرة من الذرات المكونة للمادة، وهذا يعني تطوير طريقة للإمساك بالذرة وتحريكها إلى المكان المطلوب، وفي الحقيقة تمكنت شركة IBM في العام 1990 من كتابة اسم الشركة بترتيب 35 ذرة من ذرات عنصر الزينون على سطح بلورة من النيكل واستخدم علماء شركة IBM في ذلك الميكروسكوب الذري.
- المرحلة الثانية وهي تطوير آلات نانوية تسمى المجمع assembler، تبرمج مسبقاً لتتحكم في الذرات والجزيئات، وحيث أن المطلوب هو ملايين من هذه المجمعات تعمل مع بعضها البعض لتصنع جهاز أو ألة أو مادة.
- وليتمكن العلماء من تطوير ملايين المجمعات فإن أجهزة نانوية تسمى المستنسخات replicators تكون مبرمجة لتبني هذه المجمعات.
وعليه فإن التكنولجيا النانوية تحتاج إلى بلايين من المستنسخات لبناء البلايين من المجمعات وهذه لن يزيد حجمها عن مكعب بحجم 1 ميليمتر مكعب والتي بدورها تتحكم في الذرات. هذا كله لن يرى بالعين المجردة وهذا يعني أساليب وتقنيات جديدة للعمل وأيدي عاملة من نوع جديد بانتظارنا ...!
في حال تمكّن العلماء من تصغير الأجهزة، إلى حدود فائقة الصغر، باستخدام تكنولوجيا النانو، فقد يصل الأمر إلى استخدامات مثيرة، مثل أجهزة قياس صغيرة جداً وآلات طبية ، تدخل في عروقنا لتسافر فيها، وتشخص كل ما تراه، وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترمم الأنسجة. ثم ترسل تقاريرها إلى كمبيوتر خارج الجسم. وكما يتوقع العلماء أن تؤدي هذه التكنولوجيا الجديدة إلى ثورة غير مسبوقة فى التصدي للكائنات الدقيقة من الجراثيم أو الفيروسات عن طريق النانو بيوتكس وهو البديل الجديد المنتظر للأنتيبيوتيك.
تلقي الأبعاد المثيرة لتكنولوجيا النانو بظلها على التطبيقات التكنولوجية-البيولوجية، حيث يعمل بعض العلماء في "وادي السيليكون"، على محاكاة الجهاز العصبي للإنسان، في الأجهزة الذكية، مثل الكمبيوتر والروبوت. ويتوقع بعضهم تكوين بدائل للأعصاب وأنسجة الدماغ، لتوضع في أجهزة الكومبيوتر مما يجعل منها عناصر ذكية قادرة على التجاوب، والتفاعل مع بقية الأجهزة، التي يتألف منها الحاسب ، وفي المقابل يأتى التوقع بصنع ألياف متطورة، لتحل محل الأعصاب في الإنسان، كما يسعى البعض إلى "تدعيم" عمل الدماغ البشري، بأنواع متطورة من الرقائق الالكترونية، وهذا ما يعتبر ثورة في علوم الطب، سيؤدي الى معالجة الكثير من الأمراض العصبية.
وكثير من المجالات نجحت فى تطبيق النانو تكنولوجى نعرض منها على سبيل المثال :-
- فى مجال الصناعة حيث تم البدء فعلاً بإدخالها إلى حيز التطبيق في مجموعة من السلع التي تستخدم نانو جزيئات الأكسيد على أنواعه " الألمنيوم و التيتانيوم وغيرها " . خصوصا في مواد التجميل والمراهم المضادة للأشعة . فهذه النانو جزيئات تحجب الأشعة فوق البنفسجية UV كلها ويبقى المرهم في الوقت نفسه شفافا وتستعمل في بعض الملابس المضادة للتبقع .
- وتمكن باحثون في جامعة هانج يانج من إدخال نانو الفضة إلى المضادات الحيوية . ومن المعروف أن الفضة قادرة على قتل حوالي 650 جرثومة دون أن تؤذي الجسم البشري .
- وفى صناعة الكمبيوتر تم الاتجاه إلى رقاقات يدخل في صنعها نانو اليكترونات قادرة على حفظ المعلومات أكثر بآلاف المرات من الذاكرة الموجودة حاليا.
- وتمكن باحثون في IBM وجامعة كولومبيا وجامعة نيو أورليانز من جمع جزيئين غير قابلين للاجتماع إلى بلور ثلاثي الأبعاد . وبذلك تم اختراع ماده غير موجودة في الطبيعة و لها استعمالات كثيرة في مجالات الطاقة والبطاريات. و ماده جديدة مصنوعة من نانو جزيئات تدعى (قسم ( Quasam تضاف إلى البلاستيك والسيراميك والمعادن فتصبح قويه كالفولاذ خفيفة كالعظام وستكون لها استعمالات كثيرة خصوصا في هيكل الطائرات والأجنحة ، فهي مضادة للجليد ومقاومه للحرارة حتى 900 درجه مئوية .
- وتوصل علماء ألمانيون باكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها من التلف وتأثير العوامل الخارجية. " وفى عالم الميكانيكا حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال السيطرة على عمليات الصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي، وكذلك في مجال التغلب على الاحتكاك الميكانيكي .
- في مجال صناعة السيارات تم استخدام طرق ومواد نانوية جديدة في مجالات الطلاء والتغليف والعزل والمساهمة في تخفيف وزن السيارات وزيادة صلادتها. وهناك العديد من الأبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجلات السيارات.
- لقد فتحت التكنولوجيا النانوية آفاقاً جديدة في المجال الطبي والجراحي، هناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرف على الخلايا المريضة وترميمها وكذلك للتعرف على محرضات الأمراض ومعالجة الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة.
- فى مجال الأدوية توصل العلماء إلى النانوبيوتكس وهى فعالة فى مكافحة البكتيريا القاتلة التي كونت مقاومة ضد المضادات الحيوية، وللبكتريا التي طورت مناعة ذاتية للمضادات الحيوية، والبكتريا المحورة وراثياً المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية. ويعتبر هذا النوع الجديد من الأدوية الذكية بديلاً غير مسبوق للمضادات الحيوية، ويساعد على حل مشكلة مقاومة هذه الأنواع البكتيرية للأدوية.
- ومن ابتكارات النانو تكنولوجي: ابتكار آلة مجهرية للحفر والنحت والتثقيب والقطع قادرة على العمل بشكل ثلاثي الأبعاد في جميع المواد على أنواعها بدقة بالغة، مهما كانت درجة صلابتها بإسلوب مبتكر يعتمد على أشعة الليزر القصيرة الموجات والسريعة جداً لتنفيذ أعمال في منتهى الدقة.
وهذه التطبيقات هى جزء من فيض تطبيقات النانو تكنولوجى والتى قدمت لكم لمحة سريعة عنها وبدأت تسهم فى تطوير كثير من المجالات لخدمة البشرية .... وإلى لقاء قريب.
التسميات
تكنولوجيا