أصبح تلوث البيئة قضية تشغل كل دول العالم وباتت الدنيا تبحث عن حل لهذه المشكلة الخطيرة التى تهدد أمن وسلامة الإنسان، وأصبح الجميع أفرادا وحكومات يتساءلون، كيف يتسنى لنا الحفاظ على البيئة فى ظل التقدم التكنولوجى والتقنى الذى يذهل العالم كل يوم بما هو جديد؟،و كيف نواجه المخلفات الضارة التى تزداد ملايين المرات كل يوم نتيجة التقدم العلمى المستمر فى التصنيع خاصة الصناعات الإلكترونية، وهل أصبح الحفاظ علي البيئة حلم صعب المنال فى هذا العصرالذى صار كل شئ فيه إليكترونيا حتى أطلق عليه عصر حرفe !. وحيث إزداد وعى الإنسان بأخطارالتلوث وإزدادت قناعته بالأضرار التى يتعرض لها نتيجة تلوث البيئة، بدأ الكل يتساءل ماذا علينا أن نفعل فى مواجهة هذا الخطر،وما الدور الذى يستطيع كل منا القيام به للحفاظ على البيئة وحماية مواردها و توفيرإحتياجات الأجيال القادمة منها
لقد ظهرت فى الألفية الجديدة مصطلحات حديثة لم تكن معروفة من ذى قبل منها التنمية المستدامة، وإسترتيجيات الإنتاج الأنظف والإنتاجية الخضراء، والطاقة الخضراء وتركز الهدف فيها على محاولة خفض تكون النفايات أوالتخلص منها فى أماكن تواجدها بطرق علمية سليمة، لما تتكلفة المعالجة من جهد وتكلفة كبيرة. وقد بدأت كل المنظمات الدولية تنادى بتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة. وظهرت جهود دولية تبحث عن حل للأزمة التى باتت تهدد العالم بأسره. وكان على رأس الجهود الدولية التى استهدفت توعية رجل الجمارك بالدور الذى يستطيع أن يقوم به لحماية البيئة، مبادرة الجمارك الخضراء والتى تقوم على شراكة بين اليونيب (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) وأمانات الإتفاقيات البيئية متعددة الأطراف، وإتفاقية الأسلحة الكيميائية، ومنظمة الجمارك العالمية والإنتربول. وقدكان الهدف الأساسى لهذه المبادرة هو نشر الوعي بين موظفي الجمارك بخطورة الدور الذى يلعبه رجل الجمارك فى حماية البيئة وتحفيزةعلى الإلتزام بالإتفاقيات البيئية المتعددة. وتعد النفايات الإليكترونيةهى الأهم والأكثر خطورة هذه الأيام. فقد قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه يتم إنتاج حوالى من20 إلى50 مليون طن من المخلفات الإليكترونيه سنوياً على المستوى العالمي. وهذا يتزايد بمعدل من 3 إلى 5% سنويا، يتم إغراق 70% منها بشكل غيرمشروع في دول أسيا وأفريقيا وذلك يعد مخالفة جسيمة في ظل إتفاقيه بازل. وأوضحت التقارير أن معظم المخلفات يتم شحنها من الدول المتقدمة إلى الدول النامية وبوجه خاص تلك الدول الموجودة فى أسيا/المحيط الهادي وأفريقيا، وأنه لايتم التخلص منها أوتدويرها بشكل مناسب مما يجعل الأشخاص المقيمين بهذه الدول هم الضحايا الرئيسين لتلك المخلفات.
وإذا كانت إتفاقية بازل لمكافحة الإتجارالغيرمشروع فى النفايات تقوم على إستراتيجية عمل تتمثل فى 4خطوات وهى:
•• التقليل من توليد هذه النفايات .
•• الحد من التحركات عبر الحدود
•• معالجتها والتخلص منها فى أقرب مكان ممكن من مصدر تولدها
•• نظام رقابة على نقل النفايات الخطرة عبر الحدود
فإن دور رجل الجمارك يتلخص فى تنفيذ نظام رقابة محكم على نقل النفايات الخطرة عبر الحدود عن طريق تنفيذ الإجراءات والإلتزام بالمستندات والإخطارات التى نصت عليها الإتفاقية ولكى يمارس هذا الدور بفاعلية عملت المنظمات الدولية على التركيز على زيادة وعى رجل الجمارك بخطورة المخلفات وأثرها السئ على البيئة والإنسان. وتكمن خطورة المخلفات الإليكترونية والكهربية فى إحتوائها على معادن ثقيلة مثل الرصاص و الزئبق والكادميوم كما هو الحال فى البطاريات،وأكسيد الرصاص والباريوم بعمود الكاثود وكذلك مثبطات اللهب، والكابلات والأغلفة البلاستيكية والكابلات النحاسية المغلفة والحقائب البلاستيك، كما تحتوى المفاتيح الكهربية والشاشات المسطحة على الزئبق هذا الى جانب مركبات الكلوروفلوروكربونCFCs ومركبات الكربون في الثلاجات والمجمدات.
تعالوا معى آخذكم فى رحلة إلى مقاطعة جوانجدونج بالصين التى أثارت دهشتى وأجابت على كثير من علامات الإستفهام التى كثيرا ما راودت عقولنا. هذا المكان الذى يسجل معدلات كبيرة لهجرة العمال إليه على الرغم من أنه موضع لإنتشار العديد من الأمراض. ففى بكين تقوم شركات إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية الغيرمرخصة بإستخدام العمال المهاجرين إلى مقاطعه جوانجدونج لإستخلاص الذهب والفضة وبعض المعادن الأخرى من الأجهزة الإلكترونية، ويعد القيام بهذا العمل غيرمشروع لما له من أخطار صحية بالغة وإن كان فى الواقع يدر أرباح هائلة على العاملين به.
ويتعرض العاملون بهذا المجال لأزمات صدرية عنيفة، حيث ينطوى هذا العمل على وضع اللوحات الإلكترونية للدوائرالكهربية فى موقد فحم فتخرج منها الأدخنة السامة التى تسبب العديد من الأمراض. ونتيجة للقيام بعملية صهر المخلفات الإلكترونية المجمعة سواء من أجهزة الكمبيوتر أو أجهزة التليفون المحمول والتى يتم التخلص منها فى الورش الكائنة بمقاطعة جوانجدونج، تنتاب العمال نوبات من الكحة الشديدة التى تصل إلى نزيف من الشعب الهوائية. ولكن لهذه القضية خلفية إجتماعية لايمكن تجاهلها وهى أن العامل فى هذه المقاطعة يحصل على30يوان 4.73$ يوميا للعمل 9ساعات، فحتى وإن كانت الكمية التى يقوم بها صغيرة إلا إنها ذات قيمة عالية لما بها من ذهب وفضــــة ونحاس ومعـــادن أخرى تستخرج من لوحات الدوائر المستعملة. ونتيجة للأدخنة الملوثة التى تتصاعد من عملية الحرق والسموم الناتجة التى تحتوى على ثانى أكسيد الكبريت الذى يتطاير عند حرق لوحات الدوائر الإلكترونية لصهر المعادن المحتواه بها ، يصاب العديد من العمال بمرض الإنسداد الرئوى المزمن وكذلك حصوات الكلى. ويتعرض للإلتهاب المزمن للشعب خاصة من يعمل كقاطع للبلاستيك فى ورش المخلفات الإلكترونية حيث يقوم بغسل القطع والأجزاء فى محلول ملحى أوماء الجير لفصل بعض المواد عالية القيمة وهذا بالطبع يؤثرعلى جلودهم ويصيبهم بألام مبرحة فى الأصابع والكفين إلى جانب إستنشاقهم للغازات السامة. ومازال العديد من عمال مدينة جويو يعملون بنفس العمل على الرغم من إنخفاض سعر السوق لبعض المعادن الثمينة التى يتم استخراجها. وقد حذرت مستشفى ياوهيو فى مدينة شانتو عائلتها ضد شرب المياة عندما انتشر بين قاطنيها وجود حصوات بالكلى بهذا الشكل الملفت للإنتباه. حيث يتم التخلص من المنتجات الثانوية السامة الناتجة عن إعادة تدويرالمخلفات الإلكترونية فى الممرات المائية والمصارف مما أدى إلى تسمم المياة الجوفية والأبار ويقول الدكتورهوكزيا الأستاذ بجامعة شانتو الطبية قسم التحليل الخلوى أن المخلفات الإلكترونية التى يتم التخلص منها فى المجارى المائية هى السبب الرئيسى لإنتشارحصوات الكلى وقد أشارت جماعة جرين بيس لشرق آسيا أن 30 % من العمال المهاجرين إلى هذا الإقليم قد أصيبوا بتلك الحصوات فى 2009
وتعد السوق السوداء لتصنيع المخلفات الإلكترونية مصدرا إقتصاديا لقرية جايا فى مدينة شانتون. وهى الصناعة الرئيسية التى يعمل بها80 % من السكان منذ أكثر من ثلاثة أعوام ولكن الإنكماش الإقتصادى العالمى شكل تذبذبا فى أسعارالنحاس منذ عام 2008، مقللا بذلك ربحية تدوير المخلفات الالكترونية وبالتالى التلوث الناتج عنها إلى حد ما، إلا أنه سرعان ما عادت الأسعارإلى معدلاتها الطبيعية وعاد النشاط بالمنطقة مره أخرى.
فهؤلاء العمال التى تعول أسر كبيرة تنجذب إلى هذا المكان الذى يوفر العديد من فرص العمل و يستطيع الغير حاصلين على تعليم عالِ إيجاد فرص عمل فيه، ولكنها بكل أسف لا تنظر إلى التدهور الصحى الذى يلازم تطوردخلها المادى. إن معظم قاطنى المدينة من المهاجرين الذين جذبتهم فرص العمل بإعادة تدويرالمخلفات الإلكترونية بينما استطاعت معظم العائلات المقيمة فيها من تكوين ثروة من المخلفات الإلكترونية ثم انتقلوا للإقامة خارجها بسبب التلوث. وهم الآن يقوموا بتأجير عاملين من المهاجرين للمدينة لإدارة أعمالهم، وحتى إذا كان هؤلاء العمال يشترون مياة الشرب من الأماكن المجاورة نظرا لتلوث المياة بالمنطقة إلا أنهم يضطروا إلى استخدام المياة الملوثة لغسل الخضروات والأطباق وغيرها وبالتالى يقع عليهم الضرر فى كافة الأحوال.
الذين جذبتهم فرص العمل بإعادة تدويرالمخلفات الإلكترونية بينما استطاعت معظم العائلات المقيمة فيها من تكوين ثروة من المخلفات الإلكترونية ثم انتقلوا للإقامة خارجها بسبب التلوث. وهم الآن يقوموا بتأجير عاملين من المهاجرين للمدينة لإدارة أعمالهم، وحتى إذا كان هؤلاء العمال يشترون مياة الشرب من الأماكن المجاورة نظرا لتلوث المياة بالمنطقة إلا أنهم يضطروا إلى استخدام المياة الملوثة لغسل الخضروات والأطباق وغيرها وبالتالى يقع عليهم الضرر فى كافة الأحوال.
ليس هذا هوالمكان الوحيد الذى تحدث فيه هذه الجرائم الإنسانية بينما ينتشر ذلك فى كثير من مدن دول شرق أسيا وعلى رأسها الصين والهند. وربما يكون الوضع أسوأ حالا فى وسط إفريقيا(نيجيريا وغانا) حيث يلقى بهذه المخلفات الخطرة فى أماكن تجمع القمامة والساحات التى يلعب بها الأطفال، وبعضها يلقى فى المجارى المائية فيقضى ببطءعلى جيل بأكمله، كل ذنبه أنه نشأ فى دول فقيرة تبحث عن قوت يومها بكافة السبل حتى وإن كان من خلال التعرض للمخاطر.
ومع تفاقم هذه الكارثة البيئية بادرت منظمة الجمارك بالحث على التعاون الدولي الذى يعد أمراً بالغ الاهمية لضمان الإتزام بإتفاقية بازل التى تقف فى مواجهة الإتجار غير المشروع فى النفايات الخطرة وذلك عن طريق تعزيز عملية تبادل المعلومات بين مصالح الجمارك وتشجيع التعاون بين الجهات المختلفة لمكافحتها.
ويعتبر دور رجل الجمارك الأكثر أهمية فى هذه القضية حيث يقوم بمراقبه حركة المخلفات عبر الحدود وتتبع الشحنات الخطرة.وبالتالى منع إغراق المخلفات فى دول لا توجد لديها آليات توفر المعالجة المناسبة، ويعد ذلك أحد الأدوات الهامة للحفاظ على البيئة من هذا الخطر الجسيم.
هكذا صارت قضايا البيئة تحتل المرتبة الأولى بين اهتمامات الدول والحكومات والأفراد نظراً لإنعكاساتها على صحة الإنسان وسلامته وخطورتها على البيئة.
ودقت الكثير من المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أجراس الخطر لزيادة الممارسات التى تهدد الصحة البشرية والبيئة نتيجة الإتجارغير المشروع فى المخلفات الخطرة وغيرها من المخلفات الأخرى عبر الحدود. وظل الحلم الذى يراود الدول النامية فى أن يبات كل من نصفى الكرة الأرضية الشمالى و الجنوبى فى عدل ومساواة حلم معلق على أكتاف رجل الجمارك، فهل استعد رجل الجمارك ليكون الجندى الباسل الذى يقف فى مواجهة هذا الخطر وهل تم تسليحه بالأدوات اللازمة لتلك المعركة؟ سؤال يجب الإنتباه له!!
المراجع
جريدة تشاينا ديلى
طبعة 6 /11 /2011
مبادرة الجمارك الخضراء
التسميات
مقالات