(12) الدولة الأولى بالرعاية والتكتلات الإقتصادية - سحر شحاته

الدولة الأَوْلى بالرعاية هو بند يتم إدراجه في إتفاق دولي، يتعهد بموجبه طرف أو أكثر في الإتفاق بمنح طرف آخر معاملة لاتقل عن تلك التي يعامل بها أي طرف ثالث. ويرجع شرط الدولة الأَولى بالرعاية في نشأته إلى المعاهدات الخاصة بالصداقة والتجارة والملاحة، وبذلك يمكن القول أن هذا الشرط سابق على القانون الدولي الحديث. وقد ازدهر شرط الدولة الأولى بالرعاية مع تزايد العلاقات الدولية، وكانت معظم المعاهدات التجارية في القرن التاسع عشر تحتوي على مشارطة تنطوي على صياغة عامة لهذا الشرط، وبموجب هذه الصياغة تنتقل المنافع الممنوحة لأي دولة، حالاً، ودون قيود، بحيث يتم تعميمها على جميع الدول التي تبرم معاهدات تتضمن هذا الشرط.
وكان الترسيخ الحقيقي لشرط الدولة الأولى بالرعاية وتعميمه في العلاقات الدولية الإقتصادية من خلال الإتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) حيث تقوم على ثلاثة مبادىء رئيسية تهدف جميعهاً إلى إزالة القيود عن التجارة، وتحقيق المساواة فيما بين الأطراف المتعاقدة· وأول هذه المبادئ هو مبدأ الدولة الأولي بالرعاية. ومع قيام منظمة التجارة العالمية عام 1995، إنتقل هذا الشرط إلى إتفاقيات تحرير التجارة العالمية المرتبطة باتفاقية منظمة التجارة العالمية، وبذلك ازداد تعميمه واتسع مجال أعماله بسبب إتساع مجالات نشاط المنظمة، التي لم يعد نشاطها كنشاط سابقتها الـ (GATT) مقصـــوراً على  تجارة السلع وإنما امتد إلى مجالات أخري ذات تأثير عميق في العلاقات الدولية الإقتصادية، كالتجارة في الخدمات، وحقوق الملكية الفكرية.
ومن الملاحظ أن العالم يشهد توجهاً متزايداً نحو إقامة التكتلات الاقتصادية، فنجد اليوم أن هناك نشاطاً متسع النطاق على صعيد إقامة التكتلات الإقتصادية، سواء في إطار ثنائي أو شبه إقليمي أو إقليمي، أو تجمعات لاتكتسب صفة الإقليمية المباشرة وإنما تجمع بين مجموعة من الدول ذات التفكير المتشابه ولايجمعها إقليم محدد، وأيضا التكتلات التي تجمع بين دول متقدمة ونامية مثل النافتا، ويلاحظ أن غالبية أعضاء منظمة التجارة العالمية  ينتمي إلى واحد أو أكثر من هذه التجمعات، التي لم تعد قاصرة على الدول المتاخمة في حدود الإقليم بل تنطلق خارجه من خلال مبادرات طموحة تخدم مصالح الدول الأطراف دون الإلتفاف لأي إطار جغرافي كان أو أيديولوجي. وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من التكتلات والتجمعات الإقتصادية فإن أهم هذه التكتلات هي الإتحاد الأوروبي والنافتا وآسيان.
وهنا يظهر الخلط بين مبدأ هام تقوم عليه إتفاقية الجات، والتكتلات الإقتصادية، والتبادل التجاري بين الدول النامية، وهنا ياتي السؤال .. هل هناك تناقض بين مبدأ الدولة الأولي بالرعاية، والتكتلات والترتيبات الأقليمية؟ 

ولمعرفة ذلك لابد من دراسة الإطار القانوني المتضمن في إتفاقيات منظمة التجارة العالمية والخاص بإقامة التكتلات الإقتصادية، فهناك مادتان في هذا الجانب تمثلان تأثير منظمة التجارة على التكتلات الاقتصادية:

المادة (24) من اتفاقية الجات لعام 1994
وهذه المادة معنية بتشكيل مناطق التجارة الحرة والإتحادات الجمركية وكيفية إزالة التعريفات الجمركية فيما بين الدول الأعضاء، وعمل تعريفة موحدة والإعلان عن مناطق التجارة الحرة والإتحادات الجمركية.
حيث تقوم الدول المعنية بإقامة أو إستمرار مشروع للتكامل الإقليمي، بإخطار المنظمة، بشكل مسبق بطلب السماح بقيام المشروع الذي يأخذ شكل أفضليات تجارية أو منطقة تجارة حرة أو إتحاد جمركي، ثم يبدأ البحث من قبل المنظمة من المنطلق الذي تعرض به الدولة المعنية، وهل هو طلب الموافقة على إقامة منطقة تجارة حرة أو اتحاد جمركي طبقاً للمادة 24، كدولة نامية أو متقدمة على السواء، ثم تشكل لجنة عمل تضم الدول الأطراف في المشروع والدول الأخري (أعضاء الجات) المعنية بالموضوع، ثم تعرض هذه اللجنة تقريرها على أول مؤتمر وزاري لاحق، الذي يتخذ قراره وفقاً لطبيعة نتائج البحث ومدى التعارض أو التوافق بين أحكام الجات والمشروع، وعلي الأرجح تصدر اللجنة توصيات للدول المعنية بالمشروع، تتضمن إتخاذ إجراءات معنية، لتحقيق التوافق بينها وبين الجات أو لمعالجة الأضرار المحتملة أو الواقعة التي تلمس حقوقاً مكتسبة لأعضاء آخرين في الجات من خلال التفاوض معها للتوصل إلى تدابير تعويضية.
وتتحدد الشروط والضوابط التي يجب توفرها في مشاريع التكامل الإقليمي وفقاً لأحكام الجات فيما يلي:
•  وجود خطة عمل محددة مع تبيان أهداف ومراحل إكتمالها وخطواتها التنفيذية (أي وجود جدول زمني بحدود 10 سنوات إلا في حالات إستثنائية يتفق عليها في حدود 12 سنة).
•  إلغاء كافة القيود والحواجز الجمركية وغير الجمركية بصورة كاملة في نهاية أو خلال الفترة الزمنية المسموحة لإكتمال المشروع وشمول التحرير لكل أو معظم التجارة المتبادلة، وليس وفقاً لقوائم سلعية منتقاة.
 منح مزايا تعويضية للدول التي قد تتضرر من جراء قيام المشروع، أو في حالة المساس بالتزامات سابقة تترتب عليها حقوق مكتسبة لدول أعضاء أخرى في الجات.
•  إلتزام الدول الأعضاء في المشروع بتنفيذ التوصيات التي تقدمها اللجنة المختصة بتوافق أو تعارض المشروع.
وعليه إذا كان قيام التكتلات الاقتصادية يستهدف خلق التجارة بين الدول الأعضاء وتحقيق فوائد لكافة الدول وتحقيق مزايا إقتصادية مهمة للأفراد وللإقتصاد القومي في كل الدول الأعضاء، ففي هذه الحالة لا يوجد تعارض بين الأهداف التي تسعي إليها المنظمة أو التكتلات الإقتصادية، ولكن إذا كانت التجارة المتبادلة بين الدول الأعضاء في التكتل تقوم على أساس إستبدال السلع أو الخدمات بجودة عالية وبتكاليف أقل، وتستورد من خارج الدول الأعضاء سلعاً وخدمات منتجة في دول التكتل، ولكنها أقل جودة وأعلى تكلفة منها، ففي هذه الحالة، تتعارض أهداف المنظمة وأهداف التكتلات الاقتصادية. 
المادة (5) من الإتفاقية العامة على التجارة في الخدمات
وتأتي تحت عنوان التكامل الإقتصادي، وتهدف إلى تحرير تجارة الخدمات وإلغاء جميع أنواع التمييز بين الدول الأعضاء وإزالة الإجراءات التمييزية القائمة وحظر تقديم أي إجراءات تمييزية جديدة، والمعاملة التفضيلية للأشخاص الإعتباريين (الجهات الموردة للخدمات) وضرورة إنخراط مجلس التجارة في الخدمات بالإتفاقيات الإقليمية.
ونلاحظ أن هذه المادة تدعو إلى مراعاة المرونة في تطبيق الشروط عند محاولة الدول النامية بإقامة تجمع إقليمي فيما بينها لأغراض التجارة في الخدمات، وخاصة فيما يتعلق بشرط إلغاء الإجراءات التمييزية القائمة بين الدول، أو الإمتناع عن إدخال إجراءات تمييزية جديدة وكذالك تسهيل دخول الدول الأعضاء في ترتيبات تحقق التكامل بين أسواق العمل فيها.
ونورد هنا بعض أهم الإتفاقيات المعروفة التي تتضمن شرط الدولة الأولي بالرعاية، وهي:
أولاً: علي مستوي العالم: 
•  الإتحاد الأوروبي.
•  الشراكة الأوروبية للتجارة الحرة (الإفتا).
•  إتفاق التجارة الحرة لشمال أمريكا (النافتا).
•  السوق المشتركة لدول الجنوب (الميركسور).
•  منطقة التجارة الحرة لدول جنوب شرق أسيا (الآسيان) (الأفتا).
•  السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا). 
ثانياً: علي مستوي المنطقة العربية: 
•  منطقة التجارة الحرة العربية الكبري. - مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
•  إتفاقية أغادير. - إتفاقيات الشراكة الأوروبية المتوسطية.
المراجع :
•  سلسلة حلقات عن اتفاقية الجات، إعداد المحامي محمد صالح السبتي
•  الموسوعة العربية (المجلد الحادي عشر)
•  شرط الدولة الاولى بالرعاية فى ضوء احكام القانون الدولى، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، 1998.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال