في صبيحة أحد أيام العمل، وعقب هبوط الطائرة القادمة من إحدى دول الخليج والتي كان مقررا لها أن تصل في السادسة صباحا، إلا أنها لعطل فني تأخر وصولها إلى العشرة صباحا. فاسترعى نظر رئيس وردية الجمارك الصباحية رجل مسن يبلغ من العمر حوالي 70 عاما، أجنبي الجنسية يرتدى بدله كاملة وحذاء جديد وقميص وكرافت والكل متناسق الألوان، ويضع في أصبع يده خاتما من الماس، ويضع على عينيه نظارة طبية تحمل ماركة عالمية، ويرغب في المرور عبر الخط الأخضر (في حدود المسموح) وهو يدفع عربة عفش ركاب واضعا عليها حقيبتين جلديتين كبيرتي الحجم عليهما ليبل شركة الطيران، وكذلك عدد اثنين وجه ترابيزة خشب مقاسها حوالي 40سمx60سم وعليهما ذات الليبل وحقيبة سمسونايت.
فتم استيقافه وطلب منه جواز سفره بعد الترحيب به لوصوله إلى مصرنا الغالية .. وبفحص جواز السفر اتضح ان المهنة رجل أعمال، وأثناء تناول جواز السفر من يديه وهذه هي نقطة الاشتباه وضح أن أظافر يديه من الحروف سوداء ويديه تدلان على انه (مزارع أو مكانيكى) بسبب لونهما وشكلهما، وبسؤاله عن بلد القدوم اخبرنا انه قادم من اليابان، وبفحص جواز سفره جيدا اتضح انه قادم من مومباى بالهند ترانزيت اليابان ثم ترانزيت أخر بالدولة الخليجية.
ورجال الجمارك يعلمون جيدا أن دول الترانزيت (ساعة أو أكثر) لا يتم فيها الإجراءات الجمركية على حقائب الركاب، بل تظل موجودة في مخازن باطن الطائرة، أو تنقل بعيدا عن الركاب من طائرة إلى أخرى، إلى أن تتم عليها الإجراءات في بلد الوصول.
طلبنا منه فتح إحدى الحقائب للتفتيش وبفتحها وجدنا بها عشر كرات قدم غير مملوءة بالهواء (فارغة)، وأربعة أرجل من الخشب عليها رسوم يصل طول الرجل الواحدة 40سم، وبدأنا في فحص إحدى هذه الكرات وتحسسها، وفي ذات الوقت ملاحظة الراكب الذي بدت عليه علامات الارتباك، وبسؤاله باللغة الانجليزية عن هذه الكرات أجاب بأنها عينات للسوق المحلى، وسوف يقوم بشحن كميات تجارية بعد موافقة المستوردين، وكان كلاما مقنعا، ولكن تلاحظ أنه يهرب بنظراته إلى سقف المطار ويتفادى المواجهة مما زاد في شكوك رجل الجمارك الذي حباه الله حاسة سادسة لا يمنحها الله إلا للمخلصين والعاشقين لحب بلدهم مصر الغالية.
فما كان من رجل الجمارك إلا أن قرر فتح إحدى الكرات عن طريق قطع الخيوط التي توجد على الجلد بشكل سداسي، وإذا به يجد أن الكفر الداخلي مقطوع وملصق بالشرط اللاصق الأسود العاذل للكهرباء، وبفتحه عثرنا داخل الكفر على عدد اثنين كيس بلاستيك يحتوى على بوردة بيج اللون يشتبه أن تكون لمخدرات الهيروين، وكل كيس يحتوى تقريبا على 5-10 جرام بوردة.
كما قمنا بكسر إحدى أرجل الترابيزات الخشب لنجد إنها مجوفة من الداخل وبداخلها كيس بلاستيك طويل يحتوى على حوالي واحد كيلو جرام من نفس نوعيه البودرة السابق ذكرها، وبفتح باقي الكرات وأرجل الترابيزات الموجودة داخل الحقيبتين تم إحباط محاولة تهريب ثمانية كيلو جرامات من مخدر الهيروين كان مقررا إدخالها إلى البلاد للإضرار بشباب مصر الغالية.
وفي أثناء تفتيش الراكب ذاتيا بالحجرة المعدة لذلك وجدنا الليبل الخاص بحقائبه وأمتعته مخبأ داخل بطانة جاكيت البدلة التي يرتديها .
هذا وقد حدث للراكب أثناء سؤاله ومواجهته بالمضبوطات هبوطا حادا في الدورة الدموية فأسرعنا باستدعاء طبيب الحجر الصحي بالمطار، والذي قام بإسعافه على الفور وإعطائه الأدوية اللازمة حتى تمالك صحته، وهذا حقه كإنسان. ثم استكملنا استيفاء أركان التحقيق.
وقد تم التنسيق عقب ذلك مع إدارة مكافحة المخدرات بالمطار نظرا لكبر حجم الكمية المضبوطة لتقوم بعمل التسليم المراقب، حيث تم الاتفاق مع الراكب على الخروج بحقائبه بعد التحفظ على المضبوطات داخل المطار، والنزول بالفندق الذي كان مقررا النزول فيه، ووضع كاميرات المراقبة للقبض على باقي أفراد العصابة الموجودين داخل البلاد، ولكن تبين فيما بعد انه كان هناك راكب أخر يحمل نفس جنسية المتهم ولا يحمل حقائب سفر، كانت مهمته في الغالب المراقبة، وانه قام بالاتصال بعصابات التهريب بالداخل أو الخارج وأخبرهم بأن المتهم تم القبض عليه، وبالتالي لم يحضر احد لمقابلته بالفندق.
وقد واجه هذا الكهل حكما بالإشغال الشاقة المؤبدة (25 سنة).
وكانت هذه الواقعة وغيرها الكثير خبرة إضافية تضاف إلى رصيدنا كرجال جمارك نعمل في مجال الركاب حيث كنا نعتمد على قوة الملاحظة وتقنيات الاستجواب وحاله الراكب النفسية وخط السير من خلال مطالعة جواز السفر وما إذا كان متفقا مع ما تؤكده تذكرة الطائرة أم لا.
ولنا لقاء أخر مع قضية أخرى من ألاف قضايا التهريب التي أحبطتها عيون وعقول رجال الجمارك
والله الموفق,,,
التسميات
رقابة جمركية