التجربة الهندية لخلق بيئة الكترونية وطنية - أمل الجابرى

هدفنا تحقيق التنمية لذا نسعى للتعرف على تجارب الدول سواء العربية أو الاجنبية فى مجال التنمية وكيف استخدمت هذه الدول التخطيط كأداة لتحقيق التنمية وهنا نتعرف على التجربة الهندية فى تكنولوجيا المعلومات باعتبارها احدى الدول النامية التى حققت نجاح فى عالم البرمجيات.
ونلقى الضوء على أهم سمات التجربة الهندية لخلق قطاع وطنى لتكنولوجيا المعلومات، باعتبارها إحدى أهم المبادرات الوطنية في البلدان النامية، بل ونستطيع أن نقول دون مبالغة إنها المبادرة الأهم فعلاً فى هذا المجال.
ولا نهدف من هذا إلى تمجيد هذه المبادرة وتقديمها كنموذج قابل للنسخ والتطبيق في البلدان العربية، وعرضنا لهذه المبادرة ليس سوى دعوة إلى دراسة نقاط القوة والضعف في البلدان العربية، والانطلاق إلى خلق "نموذج" جديد ملائم يستفيد من نقاط القوة ويقلص تأثير نقاط الضعف، وهي الطريقة التي وصل عبرها الهنود إلى صياغة مبادرتهم .

مزايا صناعة البرمجيات الهندية

يتمتع قطاع البرمجيات الهندي بمزايا عديدة سمحت له بالنمو بقفزات سريعة ونوجز أهم هذه المزايا في الآتى:
1 - ميزة الموقع الجغرافي :
قد لا يبدو للموقع الجغرافي ميزة جوهرية في عالم صناعة البرمجيات ، ورغم ذلك فقد استطاعت الهند أن تستفيد من موقعها الجغرافي الذي يتفوق على غيره من البلدان، ذلك أن التوقيت الهندي يختلف عن توقيت الولايات المتحدة بـ /12/ ساعة، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق عالمي للبرمجيات. وقد سمحت هذه الميزة للشركات الأمريكية بتأسيس فروع لها في الهند أو بإبرام عقود مع شركات هندية، مما ساهم في جعل مشروعاتها البرمجية تعمل على مدار اليوم. إن فرق /12/ ساعة في التوقيت ميزة كبيرة سمحت بعمل مستمر في المشروعات البرمجية.
2 - القوى البشرية :
يقول الاقتصاديون الهنود: "إذا كان لدى بلدان الشرق الأوسط البترول، فإن لدينا رجال تكنولوجيا البرمجيات"، وفعلاً تستفيد الهند كثيراً من هذه النقطة، فهي تمتلك ثاني أضخم مجموعة في العالم من القوى العاملة المتخصصة تكنولوجياً والتي تتقن اللغة الإنجليزية، ولا يسبق الهند في هذا المجال سوى الولايات المتحدة الأمريكية، وللهند أفضلية على هذه الأخيرة، بسبب انخفاض الكلفة كما هو معروف للجميع.
3 - تكلفة منخفضة :
ينسب النمو الهندي القوي في صناعة البرمجيات سابقاً إلى التكلفة المنخفضة للمبرمجين الهنود. فقد كان المبرمجون الهنود يتقاضون ما يعادل من15-20 % فقط مما يتقاضاه نظراؤهم في البلدان المتقدمة.
4 - تقديم خدمات على نطاق واسع :
تستطيع الهند أن تقدم طيفاً واسعاً من خدمات البرمجيات، بدءاً من الدعم الفني ومعالجة المعطيات وحتى أكثر أنظمة البرمجيات تطوراً وتعقيداً.
5 - عدم ترحيل التكنولوجية العتيقة :
كان من حسن حظ الهند أنها دخلت إلى عالم صناعة البرمجيات في وقت متأخر نسبياً، فعلى عكس البلدان الأوروبية واليابان التي اضطرت إلى تجديد شامل لتجهيزاتها وبرمجياتها، لم تتحمل الهند كلفة مثل هذا التجديد إلا عدداً قليلاً جداً من الشركات الهندية اضطر إلى الاستثمار في جيل ثانٍ من التجهيزات. ذلك أن الشركات الهندية بدأت بالاستثمار بشكل جاد في منتصف الثمانينات، وقد ترافقت هذه الفترة مع بداية انتشار الحاسب الشخصي (PC) في الغرب، ومنذ ذلك الحين أصبحت تجهيزات الحواسيب الشخصية وبرمجياتها القطاع الأسرع تطوراً على المستوى العالمي مما سمح للهند أن تمتطي موجة النمو.
6 - مهارات في إدارة المشروعات :
تتمتع الشركات الهندية بخبرة غنية في العمل مع شركات برمجيات عالمية ضخمة، وقد حققت رقماً قياسياً غير مسبوق في عدد وحجم عقود إنجاز مشروعات مشكلة عام 2000 مما منحها خبرة أساسية في التزام وتنفيذ مشروعات برمجية ضخمة، وقد اكتسبت بذلك مصداقية عالية على دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وإن الزيادة التدريجية المستمرة لحجم العقود لتنفيذ المشروعات البرمجية تعكس الثقة، كما أن مهارات الشركات الهندية في إدارة مثل هذه المشروعات، تسمح لها بتخفيض الزمن اللازم لتنفيذي أي مشروع، وبالتالي تخفيض كلفته في الوقت نفسه.
7 - ثقافة مهنية عالية في مجال الإدارة :
تتميز الهند بوجود عدد كبير من المدارس العليا للأعمال والإدارة، وبوجود كوادر مختصة ذات مستوى رفيع يطابق المعايير الغربية، كما أن الثقافة الهندية عموماً في مجال الاقتصاد والإدارة مشابهة لمثيلتها في البلدان الغربية والدول المتطورة، مما يسهل على الشركات الأجنبية تطبيق فكرة تأسيس فروع لها في الهند، أو المضي في التعاقد مع شركات هندية لتنفيذ مشروعات محددة.

خطة الحكومة الهندية للمبادرة فى عالم البرمجيات

التمـــــويـل:
لا شك أن أهم عنصر في نجاح هذه المبادرة كان ضمان القدرة على تمويلها، و رغم أن معظم العمل الذي تم إنجازه في المبادرة كان من صنع القطاع الخاص، إلا أن القرار الاستراتيجي للانطلاق بالمبادرة كان قراراً حكومياً دون شك، و سنعرض فيما يلي أشكال تمويل هذه المبادرة :
التمويل الحكومي :
الحكومة الهندية هي التي خططت لهذه المبادرة، و قد دعمتها بالتمويل المباشر من خلال قروض ميسرة، و غير المباشر من خلال تمويل حدائق تكنولوجيا البرمجيات، و حدائق تكنولوجيا التجهيزات الإلكترونية، وأشكال تنظيمية أخرى تقدم التسهيلات للحصول على كل شيء: مساحة طابقيه ـ تجهيزات ـ اتصالات ـ خدمات استشارية إرشادية ـ قروض ميسرة .. الخ..، كما أن التمويل غير المباشر يشمل الإعفاءات من الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات المركزية .. الخ … ، إلى جانب إقرار دفع مكافأة تشجيعية لعمليات التصدير.
كما يشمل التمويل غير المباشر ، عملية التعليم التي وظفت فيها الدولة إستثمارات ضخمة للوصول إلى رقم /60.000 خريج هندي اختصاصي في تكنولوجيا المعلومات، وبذلك وفرت الحكومة الهندية القوة البشرية اللازمة للانطلاق بهذا المشروع الضخم استثماراته الكبيرة ، وقراراته الإستراتيجية.
لقد منحت الحكومة الهندية الأولوية الأولى لمشروع النهوض بقطاع تكنولوجيا المعلومات ، وكان العمل يجري على التوازي في الميادين التنظيمية والقانونية والإقتصادية والتعليمية، ولذلك كان لا بد من وضع هذه الخطة الإستراتيجية تحت إشراف القيادة الحكومية الأولى في الهند، وفعلاً فقد ألحقت هذه المبادرة الإستراتيجية برئاسة الوزراء الهندية مباشرة، وكان رئيس الوزراء يفتتح دائماً نشر الخطط المتتالية في هذا المجال بدعوة شخصية منه يوضح فيها هدف هذه الخطة، وفي 22/ 5/ 1998 أعلن رئيس الوزراء الهندي عن مبادرته قائلاً : "سنجعل من الهند خلال عشر سنوات قوة عظمى لتكنولوجيا المعلومات وأحد أكبر المنتجين والمصدرين في عالم البرمجيات.
وتحقيقاً لهذا الهدف وضعت الهند سياسة تكنولوجيا المعلومات، بفضل تعاون كبار الإختصاصيين الهنود من المغتربين والمقيمين داخل الهند، وقد نشرت مسودة وثيقة سياسة تكنولوجيا المعلومات على الإنترنت وطلب من جميع الإختصاصيين أن يدلوا برأيهم، وقد شكل رئيس الوزراء قسماً ملحقاً بمكتبه مباشرة يشرف على الحملة الوطنية لإنجاز سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية، و تحت شعار: "المعلوماتية للجميع في عام 008 2"، وتم نشر سياسة تكنولوجيا المعلومات الهندية عام 1998
وتجدر بنا الإشارة إلى أن الحكومة أصدرت أمراً بتخصيص ما نسبته 1-3 % من ميزانية كل وزارة أو مديرية أو مؤسسة عامة تخصص لتطبيق تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات ( تجهيزات - برمجيات - تدريب)، ولا شك أن هذا القرار يشكل تمويلاً مهماً لشركات تكنولوجيا المعلومات الهندية، ويخلق لها سوقاً واسعة لبيع منتجاتها .
كما يجب أن نشير إلى جهود مركز المعلومات الوطني الهندي الذي يقوم بدور محوري في جميع الأعمال الحكومية ويدعم مشروعات المؤسسات العامة في مجال تكنولوجيا المعلومات ويتبع لهذا المركز (25) وحدة رئيسية في عواصم الولايات الهندية جميعها و(7) مراكز إدارة إقليمية و(540) دائرة جوهرية في الهند، ويوظف هذا المركز عدداً كبيراً من الإختصاصيين الهنود الذين يوفرون عدداً كبيراً من التطبيقات بالإضافة إلى أعمال بناء الشبكات والبرمجيات وصيانتها وتعديلها وجميع أعمال التدريب في الوزارات والمؤسسات الوطنية الهندية، وقد أسس المركز مؤخراً (22) وحدة لتعزيز تكنولوجيا المعلومات في الهند واختار أهم المدن الصناعية والتجارية الهندية.

تقييم التجربة الهندية

لا شك أن تجربة الهند رائدة في مجالها، و قد استطاعت الحكومة الهندية أن توظف نقطة ضعف الهند (الانفجار السكاني) و تحولها إلى نقطة قوة تدعم مبادرة خلق قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي وتمدها بعشرات الآلاف من الإختصاصيين الهنود كل عام.
و هكذا نجد أن الخطوة الأولى في أية مبادرة يجب أن تبدأ بقراءة الواقع قراءة تحليلية واستكشاف الآفاق التي تنطلق من الإفادة من هذا الواقع و تسخير نقاط قوته و تجنب تأثيرات نقاط ضعفه أو بالأحرى تحويل بعض نقاط الضعف إلى نقاط مساعدة في إنجاح المبادرة، إنها عملية معقدة تعتمد على الواقعية قدر اعتمادها على الخيال وتعتمد على الدراسة الرصينة قدر اعتمادها على الإبداع الخلاق في استكشاف آفاق المستقبل.
وبتطبيق ذلك على التجربة الهندية نرى ان مبادرة الهند فى قطاع البرمجيات من التجارب الناجحة ويرجع ذلك إلى العوامل الاتية : -
  1. بدأت التخطيط كأداة لتحقيق التنمية فى هذا المجال من خلال قراءة الواقع وإستغلال نقاط الضعف (الانفجار السكانى) وتحولها إلى نقطة قوة حيث وضعت الخطة على اساس من الواقعية بصورة المجتمع والحقائق الاقتصادية القائمة وذلك باستغلال الثروة البشرية المتوافرة لديهم .
  2. وضعت خطة استراتيجية طويلة المدى حيث وضعت الهند لنفسها فى عام 1998 أن يكون عام 2008 هو عام تكنولوجيا المعلومات.
  3. استخدمت التخطيط التأشيرى أو التوجيهى باعداد الخطط وتنفيذها ضمن الهيكل الاقتصادى أو الاجتماعى القائم.
  4. اتصفت الخطة بالمرونة نظراً للتطور السريع فى هذا المجال.
  5. القدرة على تمويل هذه التجربة عن طريق التمويل المباشر والغير مباشر وبمساهمة القطاع الخاص فى استثمار رؤوس الاموال الضخمة.
  6. الرغم من أن الهند من الدول النامية إلا انها استغلت الموارد البشرية المتوافرة لديها لتحقيق التنمية بها
  7. وجود بنية اتصالات قوية .
* العامل اللغوى حيث ان اللغة الانجليزية هى المهيمنة على قطاع التكنولوجيا وهى اللغة الثانية فى الهند وفى كثير من الاحيان يتكلم الهنود اللغة الانجليزية.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال