(11) تطوير حفظ المستندات للحد من المخاطر ونزيف الخزانة - محمد على ماهر

تتعامل المؤسسات والهيئات والمصالح الكبرى مثل المحاكم والشهر العقاري والضرائب والجمارك يومياً مع كم كبير من المستندات الورقية, وتتزايد مشكلة نظام حفظ هذه المستندات بالطرق التقليدية منذ إنشاء نظام الدواوين الحكومية وحتى الوقت الراهن, وعلى الرغم من صدور قرار وزير المالية رقم 270 لسنة 2009 بلائحة محفوظات الحكومة إلا أن هذه اللائحة لم يتغير فيها عن سابقتها الصادرة بقرار مجلس الوزراء في 28 /10 /1953سوى رقمها وتاريخها رغم مرور ما يقرب من ستين عاماً حتى تاريخ كتابة هذه المقالة, حيث ظلت نظم الحفظ للسجلات والمستندات الورقية والأضابير وأمناء غرف الحفظ, وما إلى ذلك من مصطلحات قديمة كما هي في عصر يتم تبادل المعلومات فيه بالطرق الإلكترونية الحديثة ، مما جعلني أتذكر مقولة أحد خبراء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والذي كان يعمل معنا في مشروع تطوير الجمارك في الوقت الذي كنت فيه مسئولاً عن لجنة التشريعات الجمركية في ذات المشروع، عندما قال لي:" لديكم في مصر ثلاثة أشياء لن تستطيعوا أن تتخلصوا منها .... المستندات الورقية, والختم, والتوقيع اليدوي". استفزتني المقولة كثيراً وبحثت في موضوع حفظ المستندات فوجدت أن العالم قد تطور كثيراً من حولنا ونحن في سبات عميق , لقد فوجئت أثناء دراستي لماجستير القانون أن دولاً عربية مثل الإمارات تستخدم الآن نظام التقاضي الإلكتروني, حيث يتم إيداع صحيفة الدعوى بقلم الكتاب من المدعى, وإعلانها إلى المدعى عليه, وتحديد الجلسات, وتقديم المذكرات, وتحديد جلسة الحكم, والحكم في الدعوى, وإعلان الحكم كل ذلك بالطرق الإلكترونية الحديثة دون الإنتقال إلى المحاكم, ودون مقابلة أي من موظفيها, ودون استخدام أوراق أو أختام أو توقيعات يدوية, ودون أن تسمع المقولة الشهيرة للموظف الروتيني: "فوت علينا بكره يا سيد أنا عايز ختم النسر يكون حاد العينين واضح الجناحين",
وسرحت بخيالي كثيراً وقلت يا إلهي كم يوفر هذا النظام الكثير من التنقلات والزحام واستخدام المواصلات والطاقة وإهدار الوقت والنقود. وأطلعت على التجربة الأردنية في حفظ المستندات الجمركية فوجدت الجمارك الأردنية تستخدم الحفظ الإلكتروني, ولا توجد ورقة لديهم تحفظ بالدائرة الجمركية, وهكذا إذا انتقلنا إلى الجمارك الماليزية, كل ذلك ولم نتطرق إلى أمريكا أو أوربا حتى لا نسمع المقولة الشهيرة "يا عم إحنا فين وهما فين ". أصبت بغصة في حلقي لأني أكن في صدري حباً خالصاً لهذا البلد وأتمنى له كل الخير, وأتحسر على ما أصابه خلال عقود من الزمان كان العالم يتقدم ونحن نمنح أنفسنا الدكتوراه في العند والتخلف الحضاري. ورغما عن ذلك فمازال في ذهني عدد من المشروعات التي توفر علينا الكثير في وقت نبحث فيه عن توفير كل جنيه للخزانة العامة بعد أن غرقنا في الديون. وإن كان لي من الله عون فسوف أقوم بطرح هذه المشروعات تباعاً علها تجد أعيناً وأذهاناً واعية تخرجها إلى النور مما سيوفر الكثير على خزانة الدولة وينقلنا نقلة حضارية تواكب الدول التي سبقتنا في هذه المجالات.
وأبدأ هذه المشروعات بمشروع حفظ المستندات سواء داخل مصلحة الجمارك أو أي من مصالح وهيئات ومؤسسات الدولة, ثم نتناول في مقالات أخرى باقي المشروعات. وسوف نتناول الموضوع بمنهجية بحثية تتناول عدة نقاط نناقش من خلالها الوضع الحالي والمشاكل الناجمة عنه, ثم نبحث عن الحلول المقترحة, ونقوم بتحليل التكلفة والعائد, وأخيراً نضع برنامجاً يتناول خطوات التنفيذ.
أولا : الوضع الحالي والمشاكل الناجمة عنه:
  1. التكدس وضيق الأماكن لزيادة حجم المستندات والسجلات يوماً بعد يوم, والمطالبة بشكل مستمر بإنشاء غرف ومخازن حفظ وأرفف وتجهيزات.
  2. القوارض والآفات والأتربة والرطوبة ومخاطر الحريق التي تؤدى إلى تلف المستندات.
  3. الطلب المستمر لزيادة العمالة لخدمة الحفظ والإطلاع للكم المتزايد من المستندات.
  4. التلاعب في المستندات من بعض ذوى النفوس الضعيفة.
ثانيا: الحلول المقترحة:
  • إذا كنا نحتاج إلى أصل المستند لتقديمه عند المنازعة حول الحقوق والتمسك بحجيتها، وبالتالي يتم الاحتفاظ بالمستند حتى تنقضي الحقوق بالتقادم , وذلك عدا المستندات التي يتم حفظها حفظاً مستديماً مثل مستندات ملكية العقارات, فهناك البديل القانوني الذي يجعلنا نتمسك بالحجية دون الاحتفاظ بالمستندات الورقية.
  • بمراجعة بعض القوانين المصرية وجدنا الآتي:
تنص المادة 26 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999:
"1- يجب على التاجر أو ورثته الاحتفاظ بالدفاتر التجارية والوثائق المؤيدة للقيود الواردة بها مدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ التأشير على الدفتر بإنتهائه أو قفله.
2- وعليهم أيضا حفظ صور المراسلات والبرقيات وغيرها مدة خمس سنوات من تاريخ إرسالها أو تسلمها.
ويجوز لهم الاحتفاظ للمدة المذكورة بالصورة المصغرة (ميكروفيلم) بدلاً من الأصل, ويكون لتلك الصور حجية الأصل في الإثبات إذا روعي في إعدادها وحفظها واسترجاعها القواعد والضوابط التي يصدر بها قرار من وزير العدل"
ومن جهة أخرى تنص المادة 9 من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 على أن:
"تلتزم المؤسسات المالية بإمساك سجلات ومستندات .......لمدة لا تقل عن خمس سنوات.. ويجوز لتلك المؤسسات الإحتفاظ للمدة المذكورة بالصور المصغرة (الميكروفيلم) بدلاً من الأصل, ويكون لتلك الصور حجية الأصل في الإثبات إذا روعي في إعدادها وحفظها واسترجاعها القواعد التي يصدر بها قرار من الوحدة".
وبالتالي فإن وضع نصوص مماثلة في القوانين المنظمة لعمل الجهات الحكومية مثل المصالح والهيئات والمؤسسات, ومنها مصلحة الجمارك وتنفيذ حفظ المستندات بهذه الطريقة سوف ينقل نظام حفظ المستندات نقلة نوعية تقضى على المخاطر وتكاليف الحفظ العالية.
ثالثاً: تحليل التكلفة- العائد ( Cost-Benefit Analyses):
  • من شأن تطبيق نظام الحفظ الحديث للمستندات القضاء على المشاكل الكثيرة التي يسببها نظام الحفظ بالطريقة التقليدية, بالإضافة إلى أن هناك عائد اقتصادي من وراء توفير العمالة, والمباني المخصصة لحفظ المستندات, والتي يمكن إعادة استخدامها في أغراض أخرى يكون لها مردود مادي على الخزانة العامة, حيث لا يحتاج حفظ المستندات بهذه الطريقة إلى أماكن شاسعة, بل سيحتاج إلى غرف حفظ صغيرة. والسماح لأحد الشركات التي تعمل في هذا المجال داخل الدوائر الجمركية لن يكلف الخزانة العامة شيئاً حيث ستكون تكلفة التصوير بالميكروفيلم على نفقة أصحاب الشأن أسوة بما يتم في المحاكم والشهر العقاري, مع ضرورة وضع نص بالقانون يجيز تحصيل الرسم المقرر.
  • بل إن تقديم هذه الخدمة سيدر دخلاً على الخزانة العامة حيث يمكن أن تتضمن بنود العقد مع الجهة مقدمة الخدمة توريد نسبة من المبالغ المحصلة لصالح الخزانة العامة نظير السماح لهذه الجهة بأداء الخدمة داخل الدوائر الجمركية.
رابعاً: خطوات التنفيذ:
  1. وضع النصوص القانونية التي تنظم الحفظ بهذا النظام مع إعطاء حجية الأصل في الإثبات للصورة المستخرجة عن طريق الميكروفيلم, وقد قمت مع اللجنة المشكلة لإعداد مشروع قانون الجمارك الجديد بوضع النصوص وفى إنتظار إصدار القانون ليدخل حيز التنفيذ.
  2. طرح الموضوع على الشركات المتخصصة لإختيار أفضل البدائل للتنفيذ.
  3. يتم التنفيذ على المستندات الجديدة, أما المستندات السابق تخزينها ورقياً فيتم التخلص منها تباعاً عند إنتهاء مدد الحفظ وذلك بإعدامها, وبذلك تنتهي مشكلة تكدس المستندات تباعاً سنة تلو الأخرى.
  4. يتم التخلص من المستندات الورقية التي تم تصويرها عن طريق الميكروفيلم بعد إنتهاء عمليات المراجعة. وبهذه الطريقة نستطيع التخلص من الصداع المزمن في الجهات الحكومية والمسمى بحفظ المستندات دون أن نكلف الدولة أية مبالغ, بل ويمكن أن نضيف عائد للخزانة مع الحد من المخاطر الناجمة عن الحفظ الورقي.


إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال