أولا: ميزان المدفوعات المصري ووضعه فى ظل رأسمالية ماقبل ثورة 1952
ميزان المدفوعات مكوناته الأساسية وأهميته:
ميزان المدفوعات هو سجل أو بيان حسابي منتظم تسجل فيه كافة معاملات الدولة الاقتصادية مع العالم الخارجي, ومعني ذلك أن ميزان المدفوعات يشمل جميع المدفوعات إلي الخارج وجميع المقبوضات من الخارج, وذاك خلال فترة زمنية معينة هي في العادة سنة. مكونات ميزان المدفوعات:
1) الحساب الجاري أو حساب المعاملات الجارية: ويتكون من ثلاثة أقسام:
المعاملات الجارية المنظورة: (الميزان التجاري).
ويتم فيه تسجيل حركة الصادرات والواردات من الدولة وإليها, حيث تسجل صادرات السلع في حساب دائن وواردات السلع في حساب مدين.
المعاملات الجارية غير المنظورة: (حساب الخدمات).
حيث يتم في هذا الجانب تسجيل صادرات الدولة ووارداتها من الخدمات وذلك كالسياحة والنقل والتأمين والعلاج. هذا ويشمل حساب الخدمات أيضاً:الفوائد والأرباح والأجور المتحققة عن عناصر الإنتاج المحولة من وإلي الدولة.
التحويلات من جانب واحد:
يتم في هذا الميزان تسجيل التحويلات من جانب واحد والتي تكون بدون مقابل, كالمنح والهدايا والمعونات, سواء أكانت تحويلات رسمية أم خاصة, وسواء أكانت تحويلات نقدية أم عينية.
2) حساب رأس المال طويل الأجل:
ويتم فيه تسجيل تدفقات رؤوس الأموال من وإلى الدولة ومن ذلك: تدفقات الاستثمارات المباشرة من الدولة وإليها(بناء أو شراء مشتريات) وتدفقات الاستثمارات غير المباشرة من الدولة وإليها(بيع أو شراء أسهم وسندات) وتدفقات المعاملات البنكية والقروض من الدولة وإليها.
3) حساب التسويات أو الاحتياطي الرسمي (ميزان الذهب ورؤوس الأموال قصيرة الأجل):
ويشمل عمليات التسويات عن طريق:
الإحتياطات الرسمية :
وتتكون من إحتياطي الدولة من الذهب وإحتياطي العملات الأجنبية وإحتياطي الدولة لدي صندوق النقد الدولي وكذلك حقوق السحب الخاصة لدي صندوق النقد.
حركة رؤوس الأموال قصيرة الأجل والأوراق التجارية.
هنا وفي حالة وجود فائض في ميزان المدفوعات تقوم الدولة بزيادة احتياطياتها من الذهب والعملات الإرتكازية الدولية وحقوق السحب الخاصة لدي صندوق النقد الدولي, ويحدث العكس في حالة وجود عجز في ميزان المدفوعات, حيث يتم تحويل جزء من هذه الإحتياطات أو الاقتراض من الخارج.
توازن ميزان المدفوعات:
إذا كان هناك فائض في الحساب الجاري وحساب رأس المال فمعني ذلك وجود فائض في ميزان المدفوعات, أي أن الدولة تنفق بأقل من دخلها (الإنفاق المحلي أقل من الدخل القومي) وبالتالي يتم استثمار هذا الفائض في الخارج عن طريق شراء إحتياطات من الذهب أو العملات الارتكازية أو حقوق السحب الخاصة. وإذا كان هناك عجز في الحساب الجاري وحساب رأس المال فمعني ذلك وجود عجز في ميزان المدفوعات, أي أن الدولة تنفق بأكثر من دخلها (الإنفاق المحلي أكبر من الدخل القومي), ويتم البيع من إحتياطات الذهب والعملات الارتكازية وحقوق السحب الخاصة.
ومن ثم يتم تعويض هذا العجز عن طريق الاقتراض الخارجي, وبالتالي تقل أصول الدولة واحتياطياتها في مواجهة الخارج وتزيد التزاماتها.
الوضع الاقتصادى قبل ثورة يوليو 1952:(عصر فاروق كإمتداد لأسرة محمدعلى):
قبل الثورة كان عدد قليل من الملاك يستأثرون بنحو ثلث الأرض الزراعية، فقد كانت قلة من العائلات تستحوذ على مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية وعلى سبيل المثال فإن نحو ا من 280 مالكا كانوا يملكون 583400 فدان، أي أن واحدا من مائة الف من الشعب يملك 12% من الأرض.
هذا وبالنسبة للإستثمار العقارى فقد كانت البنوك والشركات العقارية الأجنبية تقوم بتمويل عمليات بيع وشراء ورهن الأراضى الزراعية وكان لبعض المصريين نصيب فى ذلك مثل بيع الأراضى الخاصة بالدائرة السنية بما عليها من مبانى وسكة حديد الى شركة مملوكة لأجانب وبعض المصريين مثل: ساويرس وأحمد السيوفى باشا والشواربى باشا وحسن بك عبد الرازق وعلى بك شعراوى. أما بالنسبة للصناعة فقد كانت هناك إحتكارات ضخمة مدعومة من الحكومة وذلك مثل ما تمتعت به شركات السكر والدخان والطيران والملاحة وصناعات الغزل والنسيج والاسمنت وغيرها من قدرة على التأثير في الأسعار حيث يؤلف إنتاجها نسبة عالية من المعروض المحلي.
ثانيا : ميزان المدفوعات المصرى خلال فترة التحول الاقتصادى الاشتراكى (عصر عبد الناصر)
وضع الزراعة:أول مابدأت به ثورة يوليو 1952هو إصدار قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 ( 200 فدان للفرد و 400 فدان للأسرة) ثم قانون رقم 137 لسنة 1961( 100 فدان للفرد و200 للأسرة) ثم قانون رقم 50 لسنة 1969 ( 50 فدان للفرد و 100 للأسرة ).
هذا وقد إستطاعت مصر في عهد عبد الناصر أن تحقق الإكتفاء الذاتي من كل محاصيلها الزراعية ماعدا القمح الذي حققت منه 80% من احتياجاتها. وفى عام 1969 وصل إنتاج مصر من القطن إلى 10 ملايين و800 ألف قنطار، وهو أعلى رقم لإنتاج محصول القطن فى تاريخ الزراعة المصرية على الإطلاق.
وضع الصناعة:
أصبح لدى مصر أكبر قاعدة صناعية في العالم الثالث حيث كان عدد المصانع التي أنشئت في عهد عبد الناصر 1200 مصنع منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية.
وتجدر الاشارة الى أنه في عام 1966 كان الفارق بين البرنامج النووي المصري، ونظيره الإسرائيلي عام ونصف لصالح البرنامج النووي الإسرائيلي.
الإصلاح المالي وميزان المدفوعات:
إستحدثت مصر بعد عام 1967 نظام (التمويل الذاتي) الذي ينص على أن تقوم كل مؤسسة صناعية بإستثمار احتياطاتها لتنفيذ التوسعات اللازمة لها وتطويروسائل الإنتاج وتطبيق التكنولوجيا الحديثة، هذا وقد كان (55 % ) من جملة الإستثمارات في قطاع الصناعة عام 1971/ 1972 من هذا النوع من التمويل. .
ثالثا : ميزان المدفوعات خلال فترة التحول الاقتصادي الرأسمالى.
1) ميزان المدفوعات والتحول نحو سياسة الانفتاح اقتصادي (عصر السادات)
لقد بدأت مصر بعد حرب أكتوبر 1973وبالتحديد بداية من سنة 1974 عهداً سياسياً واقتصادياً بتوجه مختلف، وذلك في ظل حكم السادات (71-81) حيث تم تطبيق السياسة الاقتصادية المسماة بالإنفتاح الإقتصادي والتي تقوم على دعامتين :الدعامة الأولى حرية الحركة لرأس المال المحلي والعربي والأجنبي حيث صدر قانون رأس المال العربى والاجنبى رقم 43 لسنة 1974 المعدل بالقانون رقم 33 لسنة 1977 والذى أدى الى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الى مصر بهدف تحقيق أهداف التنمية الإقتصادية والإجتماعية ولكنها اتجهت الى الأنشطة الريعية أكثر من اتجاهها الى الانتاج، والدعامة الثانية: تحرير الأسعاروالأجور: من خلال التفاعل التلقائي لقوى العرض والطلب.
ولكن الإقتصاد كما أسلفنا أصبح ريعيا --- حيث تركت الأنشطة الانتاجية وتم التركيز على خدمات التجارة والمال والعقارات، هذا وقد أدى ذلك الى إنخفاض الإنتاجية مما أحدث اختلالا فى التوازن بين الأجور والأسعار وهذا أدى الى إنخفاض الدخول الحقيقية للعاملين في القطاعين العام والخاص ومن ثم زادت معدلات التضخم .
أهم ملامح الوضع الاقتصادى فى تلك المرحلة : (مرحلة ماسمى بإنفتاح السداح مداح)
عجز ميزان المدفوعات :
حيث حقق الميزان التجارى عجزاً مستمراً نظرالعجز الصادرات عن الواردات خاصة مع تزايد الواردات الإستهلاكية الترفية من ناحية، والأثرالسلبى لسياسة الإحلال محل الواردات على حصيلة الصادرات من ناحية أخرى.
أزمة الديون الخارجية :
كانت الديون الخارجية عند وفاه عبد الناصر عام 1970 حوالى مليار وثلثمائة الف دولار أى أن المديونية كانت اقل من سدس الناتج المحلى، ومن هذه المديونية 205 ملايين دولار لشراء القمح الأمريكى خلال الفترة من 1958 الى 1965 ولم نكن مدينين بأى شكل للصندوق أو البنك الدوليين. لكن من سنة 1973 الى 1975 بلغ مجموع القروض 4 مليار و 440 مليون دولارمن عدة مصادرمن بينها دول خليجية وكذلك الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى بشروط مجحفة وبسعر فائدة وصل 19% -- هذا وقد تزايدت القروض الأمريكية بالذات بعد إتفاقيتى سيناء الأولى والثانية.
2) ميزان المدفوعات والتحول نحو سياسة الافساد الاقتصادي (عصر مبارك)
فى عهد مبارك صدر قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 98 لسنة 1997- وحاولت الدولة قبل ذلك خلال الثمانينيات تشجيع الاستثمار بالإقتراض من الخارج لإعادة تطوير البنية التحتية ورأس المال الاجتماعى وزادت عمليات الإستيراد وانخفض التصدير و تحول الاقتصاد الى اقتصاد ريعى وبدأت شركات القطاع العام فى تحقيق خسائروتزايدت معدلات الفساد الى درجة غير معقولة حيث صنفت مصر من أسوأ الدول فى تقاريرمنظمة الشفافية الدولية وقد ترتب على ذلك مايلى:
أزمة الديون الخارجية :
قفزت الديون الخارجية عام 1990 الى حوالى 52 مليار دولار ثم تراجعت الى حوالى 41 مليار دولار امريكى بعد إلغاء مديونية مصر لدى دول الخليج 7 مليارات دولار وإلغاء الولايات المتحدة للديون العسكرية بعد مشاركتها فى الحرب ضد العراق سنة 1992- هذا وقد بلغت نسبة الديون الخارجية إلى الصادرات حوالى 343 % عام 1987 بينما معروف أن المعدلات الآمنة المفروض ألا تتجاوز من 150 % ـ 180 %.
البطالة والتضخم:
ارتفعت معدلات البطالة خاصة بين شباب الخريجين بطريقة ليس لها مثيل حيث وصلت الى نسبة تتراوح ما بين 40 % الى 50 %، كما إرتفعت معدلات التضخم الى نسب تتراوح ما بين 21 % الى 24 % فى نهاية الثمانينات.
عجز ميزان المدفوعات:
حيث أدت التشوهات فى التجارة الخارجية والتدهورفى معدل التبادل الدولى والزيادة فى عجز الميزان التجارى الى زيادة العجز فى ميزان المدفوعات مما زاد من الحاجة إلى الإ قتراض الخارجى- هذا بالإضافة الى إختلال النمو وظهور الخسائر فى شركات القطاع العام كما أسلفنا فى حقبة الثمانينات خاصة بعد إطلاق حرية اقتراض هذه الشركات بعيدا عن رقابة الدولة- هذا ومع نهاية فترة الثمانينات كان الإصلاح الاقتصادى هو الروشتة التى قدمها لنا صندوق النقد الدولى.
روشتة صندوق النقد الدولى
مع تعثر البرنامج الاصلاحى عام 1987 والذى نتج عنه جدولة أقساط بعض الديون عن طريق نادى باريس فى مايو 1987 حيث توصلت مصر الى إتفاق عن طريق صندوق النقد الدولى وموافقة نادى باريس على إعادة جدولة الديون فى نهاية 1990 فى مقابل التزام الحكومة المصرية بتنفيذ مجموعة من الإجراءات لبرنامج إصلاح شامل أطلق عليها ( روشتة الصندوق) وتتمثل فى:
أولا : سياسات التثبيت:( وهى سياسات انكماشية):
1. السياسات النقدية:
سياسات سعر الفائدة: يقترح الصندوق تحرير سعر الفائدة الدائنة والمدينة وتركها خاضعة للعرض والطلب.
ويرى الصندوق أن رفع أسعار الفائدة سوف يخفض الطلب الكلى على النقود من خلال جذب السيولة من أيدى الأفراد ويزيد من العرض الكلى من خلال زيادة المدخرات وفرص الاستثمار مع العلم بأن رفع معدل الفائدة لن يزيد معدل النمو لسبب بسيط وهو أنه يؤدى الى ارتفاع تكاليف الانتاج .
سياسات سعر الصرف: بالنسبة لمصر: فقد اقترح الصندوق تخفيض قيمة الجنيه المصرى بنسبة 30 % ليصبح سعره فى حدود 4.4 ج مقابل الدولار(أصبح الأن 6.60 ج سنة 2003) وذلك بحجة أن الجنيه المصرى مقوم بقيمة تزيد عن قيمته الحقيقية (مما يجعله لا يعكس الأسعار الحقيقية للسلع والخدمات)، وحجة الصندوق أيضا أن تخفيض الجنيه المصرى سوف يترتب عليه زيادة الصادرات، بينما الجهاز الانتاجى المصرى غير مرن.
2. السياسات المالية (ميزانية التقشف):
يرى الصندوق ضرورة تخفيض بند الإنفاق الجارى للحكومة على الأجور والمرتبات على اساس ان الأجور والمرتبات تلعب دورا رئيسا فى تحديد هيكل الأجور وذلك يؤدى الى تخفيض الطلب الكلى والقضاء على عجز ميزان المدفوعات بينما ذلك يخفض الطلب الكلى ويثبط الاستثمار.
ثانيا : سياسة التكييف الهيكلى:
1. سياسات تحرير الأسعار:
تقوم هذه السياسة على أساس تحرير الأسعار وخاصة اسعار الطاقة وذلك على اساس التحول من سياسة التسعير الاجتماعى التى تقوم على تقديم الدعم المالى لوحدات القطاع الزراعى والصناعى بما يجعل هذه الوحدات تبيع انتاجها بأسعار تقل عن التكلفة الحقيقية ( وذلك نظرا لاعتبارات اجتماعية ومن هذه السياسة: (الدعم الغذائى- التعليم المجانى- الصحة المجانية- حد أدنى للأجور- تعيين الخريجين) إلى سياسة التسعير الاقتصادى التى تقوم على أساس التكلفة/الربح. ولا يخفى ما لذلك من أثار سلبية على محدودى الدخل.
2. السياسات التخصيصية للقطاع العام (سياسة الخصخصة):
بدأ تطبيق هذه السياسة فى مصر بصدورالقانون 203 لسنة 91 الخاص بقطاع الأعمال العام حيث تم الفصل بين الملكية والإدارة من خلال الشركة القابضة والفصل بين ميزانية الشركة والموازنة العامة للدولة وطرح 49 % من أسهم الشركة للبيع مع إمكانية إستبدال جزء من الديون بأسهم هذه الشركة مع إمكانية الإستغناء عن العمالة، مما ساعد على زيادة معدل البطالة.
3. تحرير التجارة الخارجية:
وذلك نظرا لإختلال الميزان التجارى وإنخفاض الصادرات و قد تم هذا التحرير نهائيا بالإنضمام الى إتفاقية منظمة التجارة العالمية سنة 1994. ولا يخفى مالذلك من أثر سلبى على حماية المشروعات الناشئة والتى لا يمكنها منافسة الشركات دولية النشاط وكذلك إيرادات الدولة.
التسميات
مقالات