إن البحث العلمي من أرقى وأعظم النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، حيث يمثل ركنا أساسيا من حياة الأمم والشعوب فهو عماد كل تخطيط وعصب كل تنمية إذ بواسطته يتم وضع خطط التنمية على أسس سليمة ومتينة ويتم تفادى الأخطاء وتوفير الأموال ودفع الخسائر وتقصير الزمن وتحسين النوعية. ويعتبر البحث العلمي عملية إختراع وإكتشاف وتحقق وإثبات من خلال إحداث إضافات جديدة في ميادين المعرفة المختلفة أوتعديلات لمعارف قائمة بالتقصي المنظم القائم على التبحر والغوص في أعماق الحقيقة، وهذا الجهد المنظم لايمكن أن يجري في فراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل.. إذ بالفكر تكون الأمم أولا تكون!
ولقد عبرالكاتب الكبير/فهمي هويدي عن واقع البحث العلمي والتعليم الجامعي في مصر بهذه المقارنة والمفارقة العجيبة؛ حين أقمنا الدنيا ولم نقعدها، وارتفعت أصواتنا، وهللنا، في مصر حين فاز فريقنا القومي بكأس إفريقيا في كرة القدم، لكننا فى المقابل إلتزمنا الصمت وأصبنا بالخرس حين فضحنا إعلان دولي عن أفضل100 جامعة إفريقية، والذى بكل أسف كشف النقاب عن أن جامعة القاهرة العريقة إنحط قدرها حتى أصبحت تقع في المرتبة الثامنة والعشرين بين جامعات القارة، وحين صدمنا تقرير دولي آخر أخرج الجامعات المصرية من سجل500 جامعة محترمة في العالم، في حين أخذت7 جامعات إسرائيلية مكانها في ذلك السجل.
ومن ثم فلا سبيل لمحو هذا العار .. إلا بالنهوض بالبحث العلمى..!
كذلك كشف تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارعن مؤشرات البحث العلمي في مصر، أن نسبة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي إلى الناتج المحلى الإجمالي في مصر بلغت0.2% فقط خلال عام2009/ 2010، وبلغ نصيب مصر من الإنفاق على البحث العلمي نحو0.1% من إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في العالم ككل خلال عام 2011، والذي لم يشهد تغييرا منذ عام2002، وانخفضت قيمة مؤشر جودة مراكز البحث العلمي في مصر2.8خلال عام 2010/ 2011، لتحتل بذلك المرتبة 112من بين142دولة على مستوى العــــالم، حيث تتراوح قيمة المؤشر بين (1- 7) مما يدل على تدنى مستوى البحث العلمي في مصر، في حين إحتل الكيان الصهيوني رأس قائمة دول العالم بقيمة مؤشر6.2نقاط، ثم أتت سويسرا في المركز الثاني، والولايات المتحدة في المركز الثالث.
وتأتى قطر في المركز الأول عربيا والمركز السادس خلال عام 2010 /2011وتحتل السعودية المركز الثاني عربيا بقيمة مؤشر بلغ 4.5نقاط، ثم الإمارات العربية المتحدة بقيمة مؤشر4.2، كما أشار التقرير إلى أن مؤشر جودة التعليم في مصر تراجع خلال عام 2010 /2011لتحتل المركز 135من بين 142دولة، في حين كانت تحتل المركز131خلال عام 2009 /2010
وبلغ عدد براءات الإختراع التي أصدرها مكتب براءات الإختراع المصري حوالي 343 حتى شهر نوفمبر من عام2011، و12.2% منها فقط صدرت لمصريين، وتحتل مصر المرتبة الأربعين بين142دولة من حيث توافر العلماء والمهندسين.
ومن المعوقات الرئيسية التي يواجهها البحث العلمي في مصر:-
•• عدم وجود إستراتيجية للبحث العلمي والتنمية ترتبط بإستراتيجية التنمية الإقتصادية والإجتماعية للدولة.
•• إنخفاض الإنفاق على البحث العلمي وضعف الإستفادة من التمويل المتاح
•• عدم الإستفادة بالعناصر الشابة من العلماء.
•• عدم وجود جهاز تخطيط للبحث العلمي.
•• غياب الوعي القومي بأهمية البحث العلمي في تنمية المجتمع .
•• عدم وجود آليات جادة لتشجيع المبتكرين والمخترعين
•• عدم وجود تنسيق بين المؤسسات العلمية
•• عدم ربط البحث العلمي بحاجات المجتمع
إذا فوجود إستراتيجية للبحث العلمي مرتبطة بإستراتيجية التنمية الإقتصادية والإجتماعية للدولة وربطها بحاجات المجتمع مع زيادة الإنفاق على البحث العلمي والإستفادة من شباب العلماء وتشجيعهم والتنسيق بين المؤسسات العلمية تكون نقطة البداية للنهوض بهذا القطاع الرائد.
وفيما يلي نموذج لما يمكن أن يقدمه البحث العلمى من حلول:-
نجحت جامعة المنوفية متمثلة في كلية الهندسة الإلكترونية بمنوف، في الحصول عن مشروع تخرج لطلاب البكالوريوس بقسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة على المركز الثاني على مستوى العالم في مسابقة عالمية بالسويد، المشروع عبارة عن تصميم طائرة بدون طيار. ويخدم المشروع الكثير من التطبيقات التي تحتاج لأداة إستطلاع ومراقبة والتصوير مثل الأراضي الزراعية والمزارع السميكة، كما يمكن استخدامها في رصد الأنشطة الضارة بالبيئة مثل إلقاء المخلفات الصناعية في الأنهار والطائرة تستخدم أيضا في كشف الألغام عن بعد. وبهذا فالبحث العلمي هو التحدي الحقيقي القادم لمصر في المرحلة المقبلة لبناء الدولة الجديدة، فلا تنمية أونهضة إقتصادية أوإجتماعية أوعسكرية دون الإقتناع بأهمية وحيوية الإعتماد على البحث العلمي. ومما يدعو للتفاؤل أن الحكومة الجديدة تضع البحث العلمي ضمن ثلاث أولويات لها إلى جانب التعليم والصحة، وأن المستهدف الآن هو رفع الإنفاق على البحث العلمي من (2,%) ليصل إلى (2%)من الناتج الإجمالي القومي خلال ثلاث سنوات وكلها مؤشرات تشير إلى أننا بدأنا فى وضع أقدامنا على الطريق الصحيح. وهذه دعوة منا للتفاؤل، فإذا كان الماضى مظلم فشمس الأمل تضئ لنا آفاق المستقبل.
التسميات
أوراق بحثية