النزاهة والعوامل المساعدة فى تحقيق معاييرها - عبد الناصر عز الدين

إن عملية وضع معايير عامة للنزاهة للعمل الحكومي بصفة عامة وللعمل الجمركي بصفة خاصة لهى من الأمور التي تحتاج إلى وضع خطط جديدة ذات مميزات استخباراتية عالية ولا يتأتى ذلك إلا بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة الجمركية المختصة الأمنية والرقابية و بإشراف خبراء متخصصين في هذا المجال، ذلك لأن النزاهة تعد طفرة نوعية من الناحية العلمية والعملية تفتقر إلى معايير علمية معتمدة تعمل على تحديد مواطن وبؤر الفساد في مؤسسات الدولة ، مما ييسر عمل الأجهزة المختصة في القضاء على أساليب الفساد الإداري والمالي .
وهى من الأمور الواجب توافرها في العمل للقضاء على كل أشكال الفساد، وهى عملية ترتكز على تعزيز وتدعيم مشاركة العاملين والمتعاملين في مكافحة الفساد، فانتشار الفساد لا يرتبط حصرا بأنماط السلوك الوظيفي لدى العاملين بالحكومة والقطاع العام، بل ينبعث أيضا من أنماط هذا السلوك في القطاع الخاص، ومن ثم وجب التنسيق بين تلك الجهات وترسيخ الشراكة الفعالة في سبيل مكافحة الفساد على المستوى القومي، فالفساد لا يقترن بوجود الفاسد فقط، بل يعود أيضاً إلى عدم التكامل بين الجهود التي تبذلها مصلحة الجمارك على الصعيد الرسمي وبين الجهات الأخرى الهادفة إلى ضبط نشاط المفسدين الذي يمكن الفاسدين من الاستمرار في سلوكياتهم المدمرة.
ونحن أبناء المصلحة ندرك أن تحقيق النزاهة لا يمكن أن يبنى فقط على الجهود التي يقوم بها طرف واحد، من خلال الأطر التشريعية والتنظيمية والإجرائية التي تتحكم فيها، ما لم تواكبها جهود موازية في الاتجاه نفسه من الهيئات الأخرى ذات الصلة بالعمل الجمركي تضمن قيام القائمين على العمل فيها بدور مؤثر في انتظام العمل بصورة صحيحة.
إن اعتماد مبدأ الشفافية بين العاملين والمتعاملين التي انتهجته مصلحة الجمارك في الآونة الأخيرة في أسلوب العمل لا يؤدي فقط إلى تحسين مستوى الأداء المهني، بل يتعداه إلى تحقيق الالتزام الطوعي لللوائح والقوانين من جانب كل من العاملين والمتعاملين ونأمل جميعا أن تشكل هذه الخطوة مدخلا لتعميق التعاون والتضامن بين جميع القوى المرتبطة بالعملية الجمركية رقابية كانت أم تنفيذية وسواء كانت داخلية أو خارجية، ضمن إطار تفعيل التعاون وتضافر الجهود الرامية للتصدي لآفة الفساد في بلدنا الحبيبة.

إن جميع قطاعات المصلحة من خلال دورها الرقابي يمكن أن تسهم في تحديد معايير النزاهة من خلال النقاط التالية:

  1. التزام معايير النزاهة فيما يتعلق بأخلاقيات المهنة، تلك التي تضع الصالح العام فوق المصالح الفئوية أو الذاتية الضيقة، وتعتمد على الكفاءة والمهنية..
  2. تأكيد قيم النزاهة في العمل والتعاون في تقديم النموذج الايجابي للأداء الصالح والمتميز وتعميمه على كافة الإدارات بالمصلحة .
  3. اعتماد مبدأ الشفافية في العمل على المستوى المالي والإداري والرقابي.
  4. مكافحة الفساد بجميع صوره وأشكاله، سواء الفساد المالي الذي يتجلى بهدر المال العام أو الفساد الإداري البيروقراطي الذي يتجلى بتبديد الوقت والإهمال وعدم المتابعة والامتناع عن المكاشفة وفي اختيارات المديرين والمسئولين على أساس تلافى الانصياع للمصالح الشخصية أو الانحياز للآخرين بسبب المذاهب والتيارات.
  5. تشجيع المنافسة الشريفة لتطوير عمل المصلحة ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب ودعم الكفاءات والخبرات والاستفادة من التجارب والعبر، والسعي إلى تقديم برامج للعمل ومناهج التنفيذ من خلال إشراك العاملين في اتخاذ القرار وفي رسم السياسات العامة ومتابعة تنفيذها.
  6. تقديم المشورة وتبادل الخبرات من جانب جميع القطاعات بالمصلحة لمكافحة الفساد، وإمداد المسئولين برسم سياسات معايير النزاهة بالمعلومات اللازمة من أجل تحديث وتطوير تلك المعايير.
  7. وضع تصورات مشتركة بهدف تنمية الموارد والكفاءات بما يخدم العملية الجمركية لمكافحة الفساد، والتعاون مع بعض الجهات الأخرى للإفادة من تجاربها وخبرتها وإطلاعها على ما وصلنا إليه فى هذا الخصوص.
  8. نشر ثقافة المشاركة في اتخاذ القرار باعتبارها من المقومات الأساسية للتقدم والترويج لقيم احترام حقوق الإنسان وخاصة الحريات العامة ومنها حرية التعبير بما يدعم فكرة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
  9. تنظيم ندوات ثقافية وفكرية وحقوقية مشتركة للترويج لفكرة تعميم مبادئ النزاهة، تضم العاملين بمصلحة الجمارك والمجتمع التجاري وإشراك بعض الأجهزة الإدارية الأخرى ذات الصلة بالعمل الجمركي خاصة الرقابية منها.
  10. ا10- اعتبار النزاهة احد عناصر الترقية في العمل وأساسا ثابتا من أساس وأخلاقيات المهنة والشرف الوظيفي والشخصي، واستحداث مكافآت لتقدير هذه المعايير والإعلاء من شأنها من خلال القدوة الحسنة والمثل الصالح.
  11. السعي لايجاد لوائح قوانين وأنظمة تحمي الجهات التي تسعى لكشف الفساد ومظاهره وشروره وأخطاره على الوظيفة الاجتماعية.
  12. خلق بيئة مناسبة للحوار باحترام الرأي والرأي الآخر، والتشجيع على خلق حملة لمكافحة الفساد والدعوة إلى النزاهة من خلال نشر مواد علمية عنها بكل الوسائل المتاحة للنشر وخاصة في الإعلام المرئي أو شبكة المصلحة.
  13. العمل على التواصل مع الهيئات الأخرى ذات الصلة بالعمل الجمركي للترويج للنزاهة ووضع الضوابط والمعايير لإحكام مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين من خلال توقيع اتفاقيات عامة وثنائية لا تتعارض مع القوانين واللوائح السارية.
  14. رصد أداء العاملين والمتعاملين بهدف تعزيز آليات المساءلة والمحاسبة وخاصة بعد السياسة الجديدة التي انتهكتها مصلحة الجمارك في فصل القطاعات التي عهد إليها برسم السياسات عن القطاعات المختصة بتنفيذها مواكبة لمبدأ الفصل بين السلطات .
  15. المقارنة من واقع ما هو معمول به في التشريعات والأنظمة واللوائح التي تستخدمها الجمارك المصرية ومدى انسجامها مع المعايير والمتطلبات الدولية وخاصة إعلان أروشا المعدل المتعلق بهذا الموضوع.

التوصيات:

  1. إصدار لوائح وتعليمات لضوابط وأخلاقيات سلوك موظفي الدولة أثناء أدائهم الخدمة العامة والاستعانة بكشوف إقرارات الذمة المالية لكشف مدخرات المسئولين أثناء وجودهم في المنصب وقبله وبعد مغادرتهم له.
  2. إشاعة ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد بإقامة مؤتمرات لرفع الوعي ومنسوب الثقافة تجاه قضايا الفساد ولفتح قنوات الاتصال والتواصل مع كل الجهات ذات الصلة.
  3. الاستفادة من تفعيل جهاز الاستخبارات في مصلحة الجمارك والذي من بين اختصاصاته ملاحقة المتورطين بالفساد حيث يتوفر لديه إحصائيات دقيقة عن مجمل الضبطيات لكل نوع من أنواع الفساد خاصة الذي أدى إلى التهرب من الضرائب والرسوم والتي تحال جميعها إلى الإدارات المختصة بالتحليل والاستهداف لتصنيفها وبحث ما اقترن بها من قضايا رشوة أو تجاوز الموظفين لصلاحياتهم أو أي حالات تلاعب أخرى وبعد التحليل وتقصي الحقائق يتم تحويل هذه الحالات إلى الجهات المختصة بعد ثبوت أركانها القانونية.
  4. إنشاء وحدة متخصصة في النزاهة في كل منطقة جمركية من المناطق الثلاثة الشمالية، والوسطى والشرقية ترتبط بإدارة مركزية لبحث قراراتها من الناحية القانونية والإدارية وتختص بإعداد معايير للنزاهة والشفافية تطابق المعايير الدولية من خلال دراسات وبحوث يعدها أكاديميون متخصصون تمكن من وضع معدلات حقيقية لمستوى الفساد في المصلحة، بعيداً عن نسب استطلاعات الرأي أو الاستقراءات.
  5. السعي للحصول على تعاون الشرطة الدولية "الإنتربول" في ملاحقة المتورطين الذين رحلوا إلى الخارج وبصحبتهم مبالغ مصرية طائلة وتفعيل وسائل الاتصال وتوقيع اتفاقيات أمنية بغية تسهيل مهمة ملاحقة المتهمين بجرائم التهريب وما تبعها من جرائم رشوة أو سرقة أو اختلاس واستقدامهم للمثول أمام القضاء المصري.
وأخيرا فإن الإيمان بأهمية عملية النزاهة كقيمة عليا وإنسانية وجعل المصلحة العامة تعلو فوق مصلحة الأفراد والمؤسسات لهو من الأمور والقيم والمبادئ التي نسعى جميعا لتنفيذها داخل مصلحة الجمارك وفي علاقتها مع موظفيها والأفراد المتعاملين معها وفي علاقاتهم مع الغير، وهو أمر لا يتعلق باعتبار أخلاقي فحسب، بل يسمو إلى اعتبار اجتماعي ومهني له صلة بالشرف الوطني والشخصي على حد سواء.
غير إنه لا يمكن تحديد سقف زمني للقضاء على الفساد كونه ملفاً شائكاً وتراكمياً ولكن ما يمكن قوله أن عملية مكافحة الفساد عملية تراكمية تبدأ بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأجهزة الرقابية على مختلف أنواعها مروراً بمؤسسات المجتمع المدني الإعلامية والاجتماعية والدينية في تناغم من أجل تنسيق عملية المكافحة وبالتأكيد فإن تضافر الجهود المقبلة ستشهد عملية تطور نوعي في القضاء على هذه البؤر للوصول إلى الحالة المثالية التي نأمل أن تكون قريبة منا....

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال