الضبط الإداري وحماية السكينة العامة من التلوث الضوضائي - د. محمد أمين

تتعاظم أهمية الضبط الإداري مع تزايد تدخل الدولة في حياة المجتمع وتعاظم نشاط الأفراد في نوعه وشكله، ويتمثل بصفةٍ أساسية في المرافق العامة. ويعد نشاط الإدارة الضبطي القدر الضروري اللازم القيام به من قبل السلطات الإدارية في كل دولة.

فالجهات الإدارية المختصة بحماية البيئة هي المعنية بتطبيق القوانين البيئية نظراً لأن ذلك يمثل اختصاصها الأصيل، ولما لديها من الإمكانيات البشرية والمادية التي تعينها على وضع التشريعات والقوانين المتصلة بحماية البيئة موضع التنفيذ.

وتعتبر سلطة الضبط الإداري أهم وسيلةٍ من وسائل القانون الإداري لحماية البيئة من كافة صور وأنواع التلوث، فأهداف الضبط الإداري تتمثل في المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة: الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة.

والسكينة العامة كهدفٍ من أهداف الضبط الإداري يقصد بها المحافظة على حالة الهدوء والسكون في الطرق والأماكن العامة، ومنع مظاهر الإزعاج والضجيج والضوضاء والمضايقات السمعية خاصة في أوقات الراحة.

والضوضاء آفة السكينة العامة، تخل بها وتهدمها وتنال منها، وتلقف كل جهود حمايتها، وإذا كان جسم الإنسان يتأقلم ظاهرياً مع بعض مشاكل الحياة العصرية، إلا أنه لا يمكن أن يقبل الضوضاء، فهي دائماً عدوه المستمر، وهي مصدر تعبه وإرهاقه وتوتر أعصابه، وهي تؤثر على تفكيره وإنتاجه، كما قد تؤدي إلى أضرارٍ مستديمة في صحته.

وتتطلب المحافظة على السكينة العامة اتخاذ السلطات الضبطية المختصة الإجراءات والتدابير اللازمة لمكافحة الضوضاء المقلقة للراحة والناشئة عن مكبرات الصوت، وأجهزة الراديو، والتلفاز، وتلك الناجمة عن استعمال آلات التنبيه بصورةٍ مزعجة، والأصوات الصادرة من وسائل النقل المختلفة، وكذلك الضوضاء التي تحيط بأماكن التجمعات العامة، وأصوات الآلات والمعدات المزعجة في الورش والمحال والمصانع، والصخب الذي يحدثه الباعة الجائلون عند الدعاية لمبيعاتهم في الطرق العامة.

وتشكل ظاهرة التلوث الضوضائي إعتداء حقيقياً على حياة الأفراد، حيث تعد مصدر قلق لهم، وتنال من صحتهم، وهذا التلوث لا يقل خطورة في الحقيقة عن تلوث الهواء والمياه والتربة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما يشهده هذا العصر من تقدمٍ هائل في الثورة الصناعية والتكنولوجيا، الأمر الذي أسفر عن تعدد مصادر التلوث الضوضائي.

وتتنوع مصادر التلوث الضوضائي أو التلوث السمعي إلى عدة مصادر منها: ضجيج الآلات في المصانع، وأعمال البناء والهدم، ووحدات تكييف الهواء، وأزيز الطائرات، والإفراط في استعمال مكبّرات الصوت وآلات التنبيه في السيارات، خاصة بعد أن كثر عددها إلى حدٍ كبير، كما أصبح من المألوف استعمال آلات التنبيه للاحتفال بالزواج في مواكب الأفراح، دون اعتداد براحة الناس وسكينتهم.

ويتلخص دور الضبط الإداري في اتخاذ الإجراءات الكفيلة للقضاء على هذا التلوث أو الحدّ منه، استناداً على القوانين والتشريعات ومن ضمنها قانون حماية البيئة الذي خصص فصلاً كاملاً حول مقتضيات الحماية من الأضرار السمعية، التي تهدف إلى الرقابة أو القضاء أو الحد من انبعاث وانتشار الأصوات أو الذبذبات التي قد تشكل أخطاراً تضر بصحة الأفراد، وتسبب لهم اضطراباً مفرطاً، أو من شأنها أن تمس بالبيئة.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال