رسائل علمية | أزمة مياه نهر النيل

الإدارة السياسية المصرية لأزمة مياه نهر النيل خلال الفترة من 2004 الى 2011


كتب د/ محمد السيد

الحمد لله الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ، سبحانه حث على طلب العلم وشجع عليه فقال تعالى (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه (أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً) ، وأصلى وأسلم على نبينا وحبيبنا محمد .... الأمي الذى علم المتعلمين ... وهو القائل (من سلك طريقاً يبتغى به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد.

أزمة مياه نهر النيل

تواجه مصر تحديات كثيرة على المستوى العام

قد واجهت مصر أزمات عديدة على مر العصور ولكن من أصعب الأزمات التي تواجه مصر، وبشكل دوري منذ أقدم العصور، هو كيفية التعامل مع حوض نهر النيل ومنابعه، وما يمكن أن يترتب على ذلك من انخفاض منسوبه، والتأثيرات السلبية لذلك على واقع الحياة والمجتمع في مصر، وهو الأمر الذى دفع المصريين القدماء ليس فحسب للعمل على بذل المساعي والجهود الدؤوبة والخلاقة من أجل صيانته وحمايته، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك حيث تم اعتبار منابعه جزء لا يتجزأ من منظومته المتكاملة، بل وتقديس هذا النهر. وهو الأمر الذي يعنى أن المصريين القدماء لم يتعاملوا مع نهر النيل على أنه مجرد نهر يجرى داخل أراضي الدولة المصرية ويصب على شاطئها الشمالي، وإنما تعاملوا معه على أساس كونه مانح الحياة والعطاء لمصر حاضرة العالم ومحور ارتكازه منذ تلك القرون القديمة.

ومن ثَمَّ فإن الواقع السياسي والجغرافي والتاريخي يشير إلى وجود مصلحة وطنية خالصة ومصيرية لمصر في منظومة حوض نهر النيل، لا تستطيع دولة ولا مجموعة من الدول أن تنال من هذا الواقع الحى والملموس، تحت أية ذريعة من الذرائع، وفى الوقت الذى تحسم فيه مصلحة مصر الوطنية في حوض نهر النيل، فمن زاوية التناول والتوضيح لتلك المصلحة، والسعي الدؤوب من أجل إقناع الدول الأخرى صاحبة المصالح في منظومة حوض نهر النيل، بل ودفعها للاعتقاد اليقيني بمصالح مصر العليا فى هذا الشأن، فإن الأمر له وجه آخر ينبغي على الدولة المصرية إدراكه وتفهمه والاعتقاد بصحته وبمشروعيته، ألا وهو المصالح العليا لدول حوض نهر النيل من زاوية أخرى، حتى يكون هناك إنصافاً، وموضوعية وعدالة في التناول والتعامل مع قضايا ومشكلات حوض نهر النيل والتداعيات الناجمة عنها حاضراً ومستقبلاً.

بمعنى أن أزمة إدارة حوض نهر النيل تتركز على كيفية إدارة التعارض بين المصالح العليا للدولة المصرية والمصالح العليا لدول حوض نهر النيل، وهو الأمر الذي يتطلب حتمية إحداث التوافق والتوزان بين أهداف ومصالح تلك الدول من أجل احترام وإعلاء شأن منظومة المصالح على وجه الإجمال، وبدرجة عالية من الموضوعية والواقعية الإيجابية.

حيث بدأت مؤشرات أزمة مياه نهر النيل منذ فبراير عام 2004 بالتهديدات التنزانية والكينية وباقي دول المنبع بعدم اعترافهم بالمعاهدات والاتفاقيات المبرمة بشأن حوض النيل وحق كل منهم انشاء المشاريع التنموية على ضفاف حوض نهر النيل.

ثم بدأت الأزمة في الانفجار منذ مايو عام ٢٠٠٩، بعد المؤتمر الذي عقدة وزراء مياه دول حوض نهر النيل في (كينشاسا) الكونغو الديمقراطية، عندما طالبت مصر بالالتزام بمبدأ التشاور والإخطار المسبق في حالة إقامة أية مشروعات مائية على ضفاف النيل، وذلك بالاتفاق مع ما ينص عليه القانون الدولي من ضرورة التزام دول المنبع (دول الممر) بعدم إحداث أي ضرر لدولتي المصب، وبما يتفق مع حقوق مصر التاريخية في حصة مياه النيل.

فقد فوجئت مصر بإصدار دول حوض نهر النيل بياناً مشتركاً في الاجتماع الطارئ المنعقد في الاسكندرية في يوليو من نفس العام حددت فيه موقفها من نتائج اجتماع كينشاسا على أساس قيام مبادرة تستهدف حوض نهر النيل بكامله، وعلى أن تلتزم الجهات المانحة بدعم المبادرة. بل وقد صدرت تحذيرات باستبعاد دول المصب (مصر والسودان) من توقيع الإتفاقية في حالة عدم الموافقة على بنودها.

والجدير بالذكر أن دول حوض نهر النيل تتفاوت درجة اعتمادها على مياه نهر النيل، حيث تعتبر مصر الأكثر اعتماداً على مياهه، وبالتالي كان طبيعياً أن يمتد مفهوم الأمن المائي إلى المنابع الرئيسية في حوض نهر النيل ليعتبر أي عمل يجرى في هذا الحوض يهدف للتأثير على حصة مصر المائية المقررة سنويا وهى 55.5 مليار م3 عملاً يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر ومع التسليم بوجود إتفاقيات قانونية تنظم حصول مصر على حصتها المقررة سنوياً.

وفى ظل العوامل الإقليمية والدولية والتطورات التي شهدها العالم في نهاية الثمانينيات والتسعينيات وحاليا فإن الإدارة السياسية المصرية تواجه تحدياً حقيقياً وخاصة بدخول فاعلين جدد إلى منطقة حوض نهر النيل (إسرائيل – الولايات المتحدة الأمريكية) و(البنك الدولي) وما أطلقه من مفاهيم جديدة منها (بورصة المياه وخصخصة المياه وتسعير المياه) بما قد يعنيه من اشتداد الأزمة فيما بين مصر ودول المصب خلال الفترة القادمة، وبالتالي ظهور أعباء إضافية على عاتق الإدارة السياسية المصرية.

دور القوى الخارجية فى الأزمة 


تلعب القوى الخارجية دوراً فاعلاً ومؤثراً في أنشطة وتفاعلات النظم الإقليمية سواءٌ فى الصراعات أو التعاون. وقد لعبت هذه القوى دوراً فاعلاً فى منطقة حوض نهر النيل من خلال تحفيز الصراع والمشروعات التى تقوم بها داخل المنطقة وبخاصة المشروعات المائية فى إثيوبيا.

فقد أثير الجدل السياسي والقانوني والهيدروليكي، والإعلامي بشأن تلك المشروعات المائية في الأونة الأخيرة سواء من حيث تأثيراتها المتوقعة على التدفق الطبيعي لمياه نهر النيل، ومن ثم تأثيرها على الحصة المائية المصرية، التي تمثل جوهر الأمن المائي المصري، بل الأمن القومي المصري على حد سواء. وكذلك من حيث ما تثيره تلك المشروعات من إشكاليات سياسية وقانونية تتعلق بعدم التزام دول المنبع بشرط الإخطار المسبق عند قيامها بتنفيذ بعض تلك المشروعات المائية.

ولقد جاءت التطورات السلبية على ملف مياه نهر النيل من خلال التحرك الإثيوبي المكثف لإنشاء عدد من السدود الجديدة على منابع النيل ومن أهمهم سد النهضة. ولقد أثارت هذه التطورات مخاوف جمة لدى قطاعات واسعة في المجتمع المصري، ولاسيما أن مصر قد وصلت إلى مرحلة تفرض فيها كمية المياه محددات على نموها الاقتصادي، فحصة الفرد من المياه تنخفض باستمرار، وقد تصل إلى حد الفقر المائي.

الأمر الذي دفعنا إلى دراسة هذا الموضوع الذي جاء تحت عنوان الإدارة السياسية المصرية لأزمة مياه نهر النيل خلال الفترة (2004 – 2011)،

 طبيعة الأزمة 


وبالنظر إلى أزمة مياه نهر النيل التي ظهرت، فقد يتبادر إلى الذهن ما هي طبيعة الأزمة التي ثارت فى خلال الفترة (2004-2011)، وكيف تعاملت الإدارة المصرية مع الأزمة، وما هي الجهات المسئولة عن إدارة هذه الأزمة، وكيف يحدث التنسيق بين هذه الجهات، وهل تتكامل هذه الجهود في إدارة الأزمة أم أن هناك درجة من التباعد بين عمل هذه الجهات، مما يجعل الجهود المبذولة غير ذات جدوى، خاصة أن نهر النيل هو مصدر الحياة لمصر.

لأنه لما كانت مصر تعتمد اعتماداً مطلقاً على مياه نهر النيل، فقد كان من الضروري تأمين هذا المورد، فالأمن المائي المصري، والذى يعتبر بحق من أخطر قضايا الأمن القومي المصري في المرحلة المقبلة إن لم يكن أخطرها بالفعل، فهو العنصر الأساسي للاستمرار والبقاء لحياة الإنسان ويتوقف عليها كيان ومستقبل الأمة، يقول الله تعالي: (وجعلنا من الماء كل شيء حي).

وتتجلى هذه المشكلة بين الدول المتشاطئة لأحواض الأنهار الدولية، فقضية المياه المشتركة وفي ظل محدودية الموارد المائية في مقابل زيادة الاستهلاك المائي؛ أصبحت تأخذ حيزاً كبيراً في مسار العلاقات الدولية بين تلك الدول، وأصبح موضوع المياه المشتركة والصراع على الحصص المائية ينذر بحروب وصراعات بين تلك الدول خاصة في ظل محدودية المياه، وفي المقابل فإن الإهتمام بهذه القضية قد ينبئ عنه تفاهمات واتفاقيات تساهم في تعزيز الإستفادة المشتركة من الموارد المائية المشتركة بينها؛ وبالتالي تساهم في توجيه العلاقات الدولية بين هذه الدول نحو تعزيز التعاون وسبل العيش المشترك.

فبالرغم من أن نهر النيل يتلقى كميات من الأمطار تصل سنويا إلى 1600 مليار م3، إلا أن الإيراد الفعلي لهذا النهر هو لا يزيد عن 84 مليار م3 فقط، حصة مصر من هذه الكمية هي نحو 55.5 مليار م3 بينما تحصل السودان على نحو 18.5 مليار م3.

وإن من مؤشرات قياس قوة الدولة، نصيب الفرد من الموارد المائية، لذلك فإنه كلما ارتفعت نسبة نصيب الفرد من الموارد المائية، كلما كان ذلك دليلاً على قوة الدولة.

وفي ظل تزايد مطالب دول حوض نهر النيل بتعديل الأطر المنظمة لمياه نهر النيل بالإضافة لوجود أيدي خفية تعبث بأمننا القومي في حوض النيل، مما يؤثر على نصيب مصر من المياه مما يزيد من خطورة الموقف، فالمطامع الإسرائيلية في مياه نهر النيل قديمة قدم المشروع الصهيوني نفسه.

فقد تقدم الصهاينة في بداية القرن الماضي بمشروع إلى اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر لنقل مياه نهر النيل إلي إسرائيل إلا أن ذلك المشروع تم رفضه في حينه. وفي عام 1974، وضع المهندس الإسرائيلي «إليشع كيلي» مشروعاً لجلب المياه لإسرائيل من الدول المجاورة على أساس أن إسرائيل ستعاني من مشكلة مياه في المستقبل.

وإذا كان الأمن القومي هو حفظ الحق في البقاء فإن هذا يعنى الإرتباط الوثيق بين الأمن القومي والأمن المائي لمصر. لأنه لا بقاء ولا حياة لمصر والمصريين إلا بضمان التدفق الدائم وغير المنقوص لحصتنا التاريخية في مياه النهر، ففي ظل الزيادة السكانية التي تشهدها مصر، وفي ظل حركة التنمية الصناعية والزراعية وإذ أضفنا لذلك السياسة الغير رشيدة والسلوكيات الخاطئة في استهلاك المياه؛ لاكتشفنا مدى ضخامة المشكلة وأهميتها على الأمن القومي المصري في خلال السنوات القليلة القادمة، والتي بدورها تنعكس على موازين القوى على المستوى الإقليمى بصفة عامة وعلى مستوى دول حوض النيل بصفة خاصة. فتصبح مهمة حماية مياه نهر النيل والدفاع عنها جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

وتبقي إثيوبيا هي الرقم الأصعب في هذا الملف. وترجع أهمية الموقف الإثيوبي ليس فقط لأن 85% من مياه نهر النيل تأتي من الأراضي الإثيوبية، لكن أيضا لأن أديس أبابا تقود مع أوغندا المعسكر المتشدد المطالب بإعادة تقسيم حصص مياه نهر النيل بشكل عادل وإنهاء ما تسميه «احتكار المصريين» للنهر.

وقد دارت مشكلة الدراسة حول تحديد مدى كفاءة الإدارة السياسية المصرية فى إدارة أزمة مياه نهر النيل خلال الفترة (2004 إلى 2011 ).

 قضية المياه تعد أحد أهم القضايا التي تنعكس على الأمن القومي

حيث أن قضية المياه تعد أحد أهم القضايا والتي تنعكس على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي على الأمن القومي وموازين القوى، فقد استحوذت على جانب كبير من الإدارة السياسية المصرية خاصة فى ظل الصراع على المياه فإن الإدارة السياسية المصرية لأزمة مياه نهر النيل في فترة الدراسة وأدت إلى احتدام الصراع بين دول حوض النيل واختلافهم حول حصص توزيع المياه بين دول الحوض الأمر الذى يشير إلى احتمال عدم حصول مصر على احتياجاتها المائية وما ينطوي عليه من دلالة إلى التأثير السلبى على الأمن القومي وموازين القوى وهو مالم يسبق تناوله من قبل، الأمر الذى يثير إشكالية علمية. وبالتالي لابد من بحث مدى كفاءة إدارة السياسة المصرية لأزمة مياه نهر النيل خلال الفترة ( 2004-2011 ) لما شهدته هذه الفترة من متغيرات وصراعات داخل دول حوض النيل، وانفصال شمال السودان عن الجنوب وإبرام اتفاقية عنتيبى.

ووفقاً لما سبق فإن مشكلة نقص المياه على المستوى العالمي أصبحت تشكل هاجس يؤرق مضاجع الكثير من البلدان وخاصة الدول التي تعتمد في احتياجاتها من المياه على موارد مائية تقع خارج نطاق اقليمها السياسي والجغرافي مثل مصر التي فرض عليها واقعها الجغرافي أن تكون دولة مصب.

موقع مصر الجغرافي والذى يتمثل في أنها دولة مصب ؛ وبذلك هي تشكل الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المائية وما يواجه أمنها المائي بإنشاء سد الألفية بإثيوبيا وبالتالي يؤثر على أمنها القومي وموازين القوى، والذى به يمكن أن يؤثر الماء سلباً ويصبح عاملا أساسياً في إشعال الأزمات والحروب، كما يمكن أن يكون عاملا إيجابياً في حالة توفيره للفرد والإنسان، وبالتالي يصبح فاعلاً سلمياً وأمنياً في ظل موازين القوى الحالي في المنطقة، ويبدو أن إسرائيل أكثر دعما لاستغلال المياه العربية وخاصة من طرف الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

إن هذه الدراسة ما هي إلا محاولة لفهم واقع مسألة المياه في منطقة حوض النيل، لكون هذه المنطقة أصبحت مرشحة أكثر لتكون مسرحا للعمليات العسكرية بسبب الصراع على الماء، ودور الإدارة السياسة المصرية في إدارة أزمة مياه نهر النيل خلال الفترة (2004 – 2011).

وقد تم تقسيمها إلى خمسة فصول وجاء الفصل الأول تحت عنوان الإطار النظري للدراسة لتوضيح مفهوم الأزمة وتعريفها وخصائصها ومفهوم الإدارة السياسية في إدارة الأزمات، والفصل الثاني بعنوان تطور أزمة مياه نهر النيل، أما الفصل الثالث فجاء تحت عنوان العوامل المحددة للسياسة المصرية لإدارة أزمة مياه نهر النيل، والفصل الرابع، تحدثنا فيه عن الأثار المترتبة على الإدارة السياسية المصرية لأزمة مياه نهر النيل، أما الفصل الخامس فيدور حول استراتيجيات الإدارة السياسية المصرية لأزمة مياه نهر النيل.

وقد خلصت الدراسة إلى نتائج أهمها:

(1) عدم تحديد الدور الفعلي لكل إدارة من الإدارات المعنية بإدارة ملف مياه نهر النيل وعدم التنسيق فيما بينهم لإدارة الأزمة وهذا ما وضح فى تداخل الأدوار والاختصاصات فيما بين ما تقوم به وزارة الموارد المائية والري المصرية ووزارة الخارجية المصرية فتبين أن هناك تشابه فى هذه الأدوار فيما يخص أزمة المياه.

(2) عدم وجود اتفاقية تضم كافة دول حوض النيل لتنظيم استغلال مياه النهر والاتفاق على حصة كل دولة داخل الحوض من موارده المائية، فقد اتخذت غالبية الاتفاقيات شكلاً ثنائياً.

(3) يحسب للموقف المصري بأنه لا يرفض إقامة دول المنابع للسدود المائية، بل يساهم فى تشييدها طالما تتم في إطار من المكاشفة وحسن النية، طالما لا تؤثر فى ذات الوقت على الحقوق المائية المصرية بما يعنى عدم إلحاق الضرر بتلك الحقوق.

(4) بالرغم من أن نهر النيل هو أطول أنهار العالم وبرغم أتساع حوضه بصورة كبيرة، إلا أن معدل تصريف المياه فيه هزيل قياسا لطوله ومساحة حوضه بحيث يبدو قزما فى إيراده المائي بالمقارنة بالأنهار الكبرى في العالم والتي تقل طولها عنه مثل نهر الأمازون والذى يبلغ إيراده السنوي 5676.5 مليار م3 فى حين أن نهر النيل يبلغ إيراده السنوي 94.5 مليار متر مكعب، وكذلك أنهار الكونجو والميسيسبي واليانجستى والجانج والفولجا والدانوب.

(5) اختلال الميزان المائي لمصر نتيجة ثبات حصة مصر فى مياه النيل والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب وهو المصدر الرئيسي للموارد المائية لمصر، وعليه سيؤدى ذلك إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه وبالتالي ينذر بفقر مائي، نظرا للنمو السكاني المتزايد عام عن عام، ومواجهة الاحتياجات الزراعية والصناعية من المياه.

(6) عدم وجود تعاون بين مصر ودول المنبع بالقدر المطلوب وذلك في ظل عدم وجود إمكانيات اقتصادية تساعد علي اختراق أسواق دول منطقة حوض النيل وخاصة أن هناك فرص حقيقية للاستثمار في هذه الدول.

(7) ضعف المشروعات المائية التي تساعد علي زيادة الموارد المائية لنهر النيل وبالتالي تأمين حصة مصر منها وإيجاد فرص حقيقية لزيادتها لمواجهة الاحتياجات المائية المتزايدة بسبب الزيادة السكانية ومتطلبات الزراعة والصناعة.

(8) إن وزاره الخارجية لم تضطلع بدورها التخطيطي على الوجه الأمثل وذلك بسبب طبيعة القوانين المنظمة للوزارة والتي جعلت إدارة التخطيط مجرد إدارة يرأسها أحد السفراء ويتم التعيين بها تبعا لتقلد الدبلوماسيين الوظائف في الوزارة وبالتالي تتركز مهارتهم فى التعامل مع القضايا والأمور الجارية بقدر أكبر من القدرة على التخطيط طويل الأجل لمواجهة بعض القضايا المستقبلية، الأمر الذي يفسر مدى الحاجة إلى انشاء إدارة محترفه في هذا المجال.

توصلت أيضا الدراسة إلى:

  • أن هناك وجود إسرائيلي فعال فى منطقة حوض النيل بصفة عامة وفى إثيوبيا بصفة خاصة واستطاعت أن تقيم علاقات سياسية واقتصادية وتغلغل مائي في حوض النيل وذلك لدوافع عديدة، وأيضا من أجل الضغط على مصر سياسيا.
  • استطاعت الدبلوماسية المصرية أن تتصدى للمفاهيم التي أطلقها البنك الدولي، وهي "بورصات وأسواق المياه “،” خصخصة المياه"، "تسعير المياه"، حيث أكدت مصر في جميع المحافل الدولية التي تم فيها التطرق لتلك القضية، أن إدارة هذا المورد ستظل مركزية، نظرا لأهميته لكافة مظاهر الحياة في مصر.
  • عدم وجود جولات مفاوضات للإدارة السياسية بالقدر المطلوب والذي يتناسب مع طبيعة الأزمة وخطورتها على الأمن المائي المصري بل والأمن القومي بصفة عامة، فيجب أن تكون هذه القضية من أولويات القيادة السياسية للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن الإطار القانوني لتنظيم مياه النيل والحقوق المكتسبة وكيفية تنمية الموارد المائية.


ومن النتائج السابقة يمكن القول إن الإدارة السياسية المصرية لم تنجح فى إدارة أزمة مياه نهر النيل فى ظل التحديات الإقليمية والدولية السابق ذكرها وذلك فى فترة الدراسة وهى ( 2004-2011 ) ولم تستطيع منع إثيوبيا من الشروع فى إنشاء سد النهضة والذى من المتوقع أن يؤثر بشكل سلبى على حصة مصر من مياه نهر.

كما انتهينا إلى توصيات عديدة نذكر أهمها:


  • التأكيد على حق مصر التاريخي والمكتسب في مياه نهر النيل، سواء بالتفاوض أو باللجوء إلى المحكمة الدولية.
  • زيادة التمثيل الدبلوماسي في منطقة حوض النيل، حيث أن التمثيل الدبلوماسي ضعيف جدا داخل دول حوض النيل.
  • إعادة النظر في السياسة الخارجية تجاه دول إفريقيا بشكل عام ودول حوض النيل بشكل خاص لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والتصدي لأي تدخلات خارجية تسعي لتهميش الدور المصري في أفريقيا.
  • عدم إغفال تأثير العوامل الخارجية سواء الدولية أو الإقليمية على علاقة مصر بدول حوض نهر النيل أيا كانت هذه العلاقات (سياسية أو أمنية – اقتصادية – اجتماعية).
  • تشجيع الشركات ورجال الأعمال علي زيادة الاستثمار في دول حوض نهر النيل من أجل عملية التنمية العمرانية، التجارية، الصناعية، والسياحية، والاتصال أو غيرها والتي ستعود على هذه المؤسسات ورجال الأعمال بالمنفعة سواء على المستوي الخاص من خلال تحقيق أرباح من هذه المشروعات، أو المستوي العام من خلال تحقيق التعاون المشترك بين مصر ودول حوض النيل والذي بالتبعية سيحقق الأمن المائي لمصر.
  • التنسيق الكامل بين كافة الوزارات والمؤسسات المعنية بإدارة المياه، ومن الأجدى أن يكون هناك مؤسسة واحدة معنية تدير هذا الملف وتكون مسؤوله مسئولية كاملة أمام القيادة العليا والرأي العام لتحاسب على ما قامت به من إجراءات لإدارة هذه الأزمة والحفاظ على الأمن المائي المصري أخذا في الاعتبار التنسيق فيما بينها وبين المؤسسات الأخرى، وعليه فقد يكون من الرأي إنشاء هيئة مستقلة لإدارة مياه النيل وتكون لها جميع الصلاحيات لتحقيق أمن مصر المائي.
  • يجب على الإدارة السياسية أن تتخذ من الإجراءات الكافية لتنمية العلاقة الاقتصادية فيما بين مصر وباقي دول حوض النيل للحفاظ على موارد مصر المائية وتنميتها. وبخاصة العلاقات المصرية الإثيوبية وذلك في مجالات التجارة البينية، والمساعدات الاقتصادية، والمنح والقروض، والاستثمارات المشتركة، خاصة في مجال الطاقة والبنية الأساسية، وذلك لخلق مشاركة اقتصادية حقيقية مع إثيوبيا، بما يجعلها تفكر مليًّا قبل الإقدام على أي تصرفات غير محسوبة ضد المصالح المصرية.
  • يجب أن يكون هناك استراتيجيات بين مصر ودول حوض النيل سواء كانت استراتيجيات أمنية أو اقتصادية أو تعاونية لتأمين حصة مصر المائية والعمل على تنميتها من أجل مواجهة الاحتياجات المستقبلية سواء كانت هذه الاحتياجات للتنمية الزراعية أو الصناعية أو للاستهلاك المنزلي ومجابهة معدلات النمو السكاني المتزايد.


في ختام هذا أحمد الله تعالى على ما أسبغ على من وافر نعمة الجزيلة وتسديده وتوفيقه ولم يكن لهذا الاجتهاد المتواضع أن يجئ على صورته التي هو عليها، لولا مساندة ومساعدة أناس كثيرون، أرشدوني بعلمهم الغزير وغمروني بدعمهم المعنوي وتشجيعهم ولذلك أنتهز هذه المناسبة لأعبر لكل من أعانني عن عظيم شكري وعميق أمتناني وأخص من أختصهم الله عز وجل من خلقه بحبه فهداهم للأيمان وتفضل عليهم بالعلم والحكمة، لم لا وهم ورثة الأنبياء.

 

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال