منظمة التجارة العالمية | هل نجحت في بلوغ اهدافها؟

كتب/ عبد القادر فؤاد شهاوى

تم انشاء المنظمة عام 1947 ودخلت حيذ التنفيذ عام 1948 تحت مسمي الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT) وفي جولة اورجواي تم تحويل هذه الاتفاقية الي منظمه التجارة العالمية ومنذ يناير 1995 اصبحت الوريث الشرعي للجات حيث اضيفت لها اتفاقيات جديده منها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية واتفاقية (TRIPS) قواعد المنشأ.

ويتمثل الغرض الأساسي لهذه المنظمة في توثيق التعاون بين أعضائها حتى يمكن ازالة العوائق التجارية ومواصلة تخفيض التعريفات الجمركية ويتم التفاوض بشأن تحقيق هذه الأهداف من خلال ما يسمي بالجولات.

منظمة التجارة العالمية | هل نجحت في بلوغ اهدافها


أهداف المنظمة:

  1. رفع مستوي المعيشة وتحقيق العمالة الكاملة.
  2. نمو حجم الدخل الحقيقي والطلب الفعلي.
  3. زيادة الانتاج المتواصلة والاتجار في السلع والخدمات مما يتيح الاستخدام الامثل لموارد العالم وفقا لهدف التنمية.
  4. توخي حماية البيئة والحفاظ عليها ودعم الوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك.
  5. بذل جهود ايجابية لتامين حصول البلدان النامية لاسيما اقلها نموا علي نصيب في نمو التجارة الدولية يتمشى واحتياجات تنميتها الاقتصادية.
  6. الدخول في اتفاقيات للمعاملة بالمثل.
  7. انشاء نظام تجاري متعدد الاطراف متكامل أكثر قدره على البقاء والدوام.

(1) إرساء قواعد التجارة العادلة وليست التجارة الحرة


اتسم نظامنا الاقتصادي السابق بمعدلات استهلاك أعلي من معدل الزيادة في الانتاج (ونفس السياسة ادمنتها الحكومات السابقة) فارتفع الدين المحلي والخارجي نتيجة عجز الايرادات مقابل النفقات وقد يجد عجز الموازنة تبريرا له اذا ما استخدم في استثمار رأسمالي منتج في البنيه الاساسية والصحية والتعليمية ومثل التطوير التكنولوجي لأنه رأس مال يساهم في بناء القدرة الانتاجية للوطن ويؤدي الي تراكم ثروته. 

أما الازمة التي يعاني منها اقتصادنا فمصدرها ان العجز وجه بقدر اكبر لأغراض الاستهلاك لا الاستثمار كما أطلق العنان للاستهلاك المفرط من خلال استيراد دون قيود لمنتجات رخيصة من الخارج مصنعة بواسطة الشركات متعددة الجنسيات في دول العمالة المتدنية الاجر زاحمت المنتجات المصرية وادت الي اغلاق وتردي اوضاع العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما الحق الضرر بالصناعات المصرية والي فقدان كم هائل من الوظائف المرتبطة بها.

أدى تحرير السلع الي تعرض الصناعات الوليدة للدول النامية الي منافسه شرسة، والتاريخ شاهد علي كيفية استخدام جميع الاقتصاديات المتقدمة لسياسة تحرير الاقتصاد بشكل انتقائي ومتدرج يجمع بين الحماية والدعم وتنظيم السوق ففي الثمانينيات من القرن الماضي تمكنت امريكا من انقاذ صناعه الحديد والصلب بتقييد الاستيراد ورفع التعريفة الجمركية ولم تسمح اداره الرئيس ريجان التي كانت تتغني بالتحرير الكامل للأسواق لقوي السوق بان تعمل لان ذلك كان سيعني انهيار صناعات بأكملها معتمده علي الصلب الامريكي مثل السيارات والحاسبات الاليه والاليكترونيات أمام المنافسة اليابانية في ذلك الوقت.

ولا يعني ذلك غلق الأبواب وعزل اقتصادنا عن العالم الخارجي ولكن المطلوب هو إحداث التوازن في علاقتنا التجارية مع الدول الأخرى بشكل يحقق المصالح المشتركة ويتطلب ذلك السعي مع شركائنا في العالم النامي وفي منظمه التجارة العالمية وبمسانده المجتمع المدني العالمي لإرساء قواعد التجارة العادلة وليست التجارة الحرة على حد تعبير جوزيف ستيجلتز نوبل الاقتصاد المعروف.

المطالبة بإصلاح وتطوير المؤسسات الدولية

التعامل الفعال مع معطيات العولمة الاقتصادية من خلال دور قيادي لمصر في مجال الاقتصاد الدولي وذلك للمطالبة بإصلاح وتطوير المؤسسات الدولية ولمحاوله التوصل الي توازن جديد يرسي قواعد عادله للتجارة الدولية ويوجد مدخلا جديدا للملكية الفكرية وخاصة في صناعه الدواء ويعوض عن تدهور البيئة والتغير المناخي ويصلح المعمار المالي الدولي وينظم الاحتكارات الدولية.

(2) استعباد التجارة أشد وأقسي


أدى التحرير غير المنظم للأسواق في الاقتصاد العالمي الي تحولات اقتصادية خبيثة يسيطر عليها لاعبون مارقون وقوي انتهازية لا تخضع لأية قوانين دولية أو نواميس انسانية

لقد عادت العبودية لتسجل مستويات غير مسبوقة حيث تم رصد 27 مليون ضحية في دول مختلفة خلال عقد التسعينيات وحده وهم يعملون في مزارع الكاكاو في غرب افريقيا وبساتين الفاكهة في كاليفورنيا وفي الصيد غير القانوني في البلطيق وبحر الشمال وفي مصانع بير السلم في أوروبا واسيا.

* يقول الكاتب البريطاني وليم موريس في كتابه " أبناء الأرض التي لا وجود لها "

"انطلق العالم المتمدين (اقصد العالم الذي امتلأ بالشقاء المنظم) يغزو البلاد بالقوة والخداع ويستر وحشيته بغشاء رقيق يشف عما تحته في غير عسر فيزعم انه انما يطلب انقاذ الانسانية من بيع الرقيق مع ان استعباد التجارة اشد واقسي.

تنظيم الاحتكارات الدولية

ان اقطار الجنوب كافة هي من مشتري التقنية من السوق الدولية التي يتمتع فيها الباعة بهيمنة مطلقة (ان أقوى الاقطار في الشمال قد اضحت من الناحية العملية بمثابة مجلس اداره للاقتصاد العالمي تقوم فيه بحمايه مصالحها وتفرض ارادتها بواسطته على الجنوب وتترك حكومات الجنوب لتواجه غضب شعوبها)

فضلا عن ذلك فان النظام العالمي الذي يحكم أمور الملكية الفكرية يولي باعة التقنيات في الشمال حقوقا احتكارية في اسواق الجنوب فاذا كان الجنوب ان ينتفع من التقدم الجاري في العلم والتقنية في العالم فلابد لهذا الوضع بما فيه من تقييدات راسخة فيه قانونا ومفروضا على صفقات نقل التقنية من ان يتغير بصورة من الصور.

تأمين حصول البلدان النامية علي نصيب في نمو التجارة الدولية

لابد لنظام التجارة الدولية من أن يمكن الاقطار النامية (لاسيما اقلها نموا) من توسيع حصتها من التجارة العالمية في المنتجات التي تجني لها فيها ميزة نسبية بينه، ان السلع التي تتمتع فيها الدول النامية بقدره تنافسيه عاليه كسلع المنسوجات مازالت الدول المتقدمة غير متحمسة لتحريرها بالمقارنة مع سلع اخري لا تعتبر ذات اهمية بالنسبة للدول النامية.

ولابد لهذا النظام كذلك من دعم توسيع التجارة بين الاقطار النامية نفسها وعلي النظام المذكور ان ينظر الي التنمية المتواصلة في الجنوب علي انها هدف مركزي ان الهدف في المدي البعيد يجب أن يكون اقامة منظمه للتجارة العالمية ذات واجبات اوسع كثيرا بالقياس الي الحال في (الجات)

التنمية الموصولة

عرفت اللجنة الدولية للتنمية والبيئة التنمية الموصولة بانها: تنمية الموارد التي تعمل على اشباع الحاجات الاساسية للجيل الحاضر دون ان تضر بحقوق الاجيال القادمة في الحصول على حاجاتهم أي انها التنمية التي تأخذ الاعتبارات البيئية ضمن قواعدها.

(3) رفع مستويات المعيشة وتحقيق العمالة الكاملة


لا يمكن ضمان السلام والامن الحقيقيين في العالم دون العمل على جعل البيئة الاقتصادية العالمية أكثر عدلا واشد بيانا واقوي تأييدا للتنمية في أفقر اجزاء العالم مثل هذا العمل لابد ان يكون ضمن اعمال المسؤولية العالمية

فالأمم المتحدة بصفتها المنبر الرئيسي للمجتمع الدولي ينبغي ان تعطي دورا مركزيا في توجيه العالم نحو هذا الهدف

ومن الانتقادات الموجهة الي المنظمة الاهتمام بالمصالح التجارية على حساب التنمية فالمنظمة تعمل الي عدم التمييز بين أثر تحرير التجارة الدولية والاستثمارات الاجنبية في رفع معدل النمو وأثره في تغيير هيكل الناتج القومي اذ من الممكن ان يكون هذا التحرير ايجابيا فيما يتعلق بمعدل النمو وسلبيا فيما يتعلق بالتنمية.

حماية البيئة والحفاظ عليها ودعم الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك:

  • ان الدمار الذي لحق بالبيئة حتى الان انما سببته بالدرجة الاولي التنمية الاقتصادية في الشمال
  • ان من الامور الجوهرية ان على المساعي الدولية الهادفة الي حماية البيئة ان تضع ازاله الفقر في الجنوب نصب اعينها كهدف مركزي
  • سيكون من غير المقبول كليا إذا كان الشمال الذي يرفل بالرفاهية ان يجبر الجنوب الان على الاختيار بين التنمية وحماية البيئة اذ يمكن للفقر المستمر ان يكون سببا لدمار البيئة أعظم من التنمية ذاتها ان القلق المتعاظم بشأن البيئة والوعي بان الفقر يساهم في ترديها قد يقويان من مساله السعي الي ايجاد صيغه عالميه للتخفيف من الفقر.

توقعات كاذبه:


وهناك عامل اضافي مؤثر على التنمية في دول العالم الا وهو المرتبط بالتوقعات الكاذبة للنمو السريع عن طريق تحرير حركة التجارة الدولية حيث جاءت النتائج العكسية باتساع دائرة الفقر وعدم المساواة وارتفاع نسبه البطالة خاصة بين الشباب في دول العالم الغنية والفقيرة على السواء ولم تتحقق اهداف الألفية التي وقعت عليها الدول عام 2000 في الامم المتحدة مستهدفه تخفيض نسبه الفقر الي النصف بحلول عام 2015

ولعل كل شواهد الاحتجاجات في كل انحاء العالم المناهضة للعولمة الاقتصادية الرأسمالية غير المقيدة دليل علي ذلك.
المصالح التجارية مقدمة على حساب سلامة المنتجات
وجهت انتقادات الي منظمة التجارة العالمية حول سلامة المنتجات الغذائية المنتشرة في الاسواق الدولية عبر اليه حرية التبادل التجاري

تقليد المنتجات:

استخدمت التكنولوجيا المتقدمة علي نطاق واسع في تقليد متقن للمنتجات من أدوية وقطع غيار وملابس جاهزة ومستحضرات تجميل وخلافه (شحنة ادوات تجميل لعلامة شانيل الشهيرة قيمتها 1.2 مليون دولار تباع مقلده ب 10.000 دولار)

التدليس على المستهلك

انتشر التدليس على المستهلك في مجال الرشاقة البدنية والأغذية منخفضة الدسم ليصل سوق المنتجات الي مليارات الدولارات سنويا.

فجوة مخيفه في توزيع الثروة

أسهمت المنظمة منذ تأسيسها في تركيز الثروة في أيدي اقلية من الاثرياء مع زيادة تفش الفقر والجهل والمرض والتهميش والبطالة في اغلبية سكان المعمورة.

صعود نخبه مالية عالمية جديدة (قرابة 6000 شخص) من جميع انحاء العالم تقدر صافي ثروتهم بضعف ما يمتلكه 2.5 مليار نسمة الافقر في العالم، ويصف الكاتب الامريكي ديفيد روثكويف هؤلاء بنجوم الصفوة (طبقة جديدة دون وطن) حيث تحقق مبيعات 250 شركة من شركات نجوم الصفوة 15 تريليون دولار سنويا بينما اجمالي الناتج العالمي السنوي في حدود 50 تريليون دولار وفي عام 2007 يسيطر نجوم الصفوة على 106 شركة كبري من 166 شركة كان حجم العمل السنوي يجاوز 50 مليار دولار.

لقد صار لهؤلاء تأثير قوي على الأجندة الاقتصادية العالمية

فجوة في الدخول: (الفترة 1984 – 2004)

متوسط دخل الفرد في لوكسمبرج الأعلى في العالم يصل الي 267 ضعف متوسط دخل الفرد في غينيا بيساو الافقر عالميا
رصدت جريدة نيو يورك تايمز ارتفاع متوسط الدخل الحقيقي لـ 90% من الاسر الامريكي بنسبه 2% خلال الفترة من 1990: 2004 بينما ارتفع بنسبه 57% لدي أغنى 1 % من الاسر و85 % لدي 0.1 % و112% لدي 0.01 %

مما يشير إلي اتساع فجوة في المجتمع الامريكي ويهدد مبادئ الدستور والسلام الاجتماعي على حساب قول الجريدة

وهكذا يمكن اختصار هيكل الاقتصاد الدولي في الآتي:

  • الثروة: 10 % من أغني أغنياء العالم يمتلكون 85% من ثروته
  • المالية: أكبر 100 مؤسسه مالية تدير ثلث الاصول المالية العالية
  • الاعمال: أكبر 250 شركة تصل مبيعاتها السنوية الي ثلث الناتج الاجمالي العالمي

كل هذه المعطيات والأزمات المالية والاقتصادية المتكررة من خلفها تؤكد عدم جدوى اصلاحات الترميم للنظام القائم التي تتبناها الدول الكبرى وعلى أن العالم في حاجه الي اصلاحات جذريه واليات جديدة للحوكمة الدولية متمثلة في مؤسسات دولية تضم كل اصحاب المصالح من حكومات ومجتمع مدني وعالم الاكاديميا والقطاع الخاص وهذا هو الاساس المطلوب لإقامة نظام عالمي عادل يقي العالم ويلات وشرور القوي الخفية في الاقتصاد الدولي.

مثالب نتجت عن تحرير السلع والخدمات

  • الغاء الدعم الذي كانت تمنحه بعض الدول المتقدمة للسلع الزراعية مع ما سيترتب عليه من عواقب وخيمة للدول التي تعتبر السلع الزراعية مهمه في قائمة واردتها
  • انخفاض كبير في حصيلة الرسوم الجمركية وخصوصا بالنسبة للدول النامية التي تشكل هذه الرسوم نسبه كبيره من مجموع إيراداتها

تعاون الجنوب مع الجنوب

يتحتم على الجنوب ان يحول دون توسع فجوة المعرفة في العلم والتقنية القائمة بين الشمال والجنوب وان يكون قدرات وطنيه في تطبيق التقدم العلمي على حاجاته في التنمية

ان التعاون داخل الجنوب يمكنه ان يساعد كثيرا في الجهود المبذولة في حقلي البحث والتدريب معا ويجب على زعماء الجنوب اعطاء اسبقيه اولي لتعاون الجنوب مع الجنوب ويجب على الزعماء ان يمتلكوا الارادة السياسية لترجمه الاقوال الي وقائع

ان التحدي امام امم الجنوب يتمثل بتعبئة مواردها وتهيئتها للاستخدام على نحو أكثر فاعليه على الصعيديين الوطني والجماعي وذلك لتنشيط التنمية فيها والحصول على القوة الناشئة عن مشاريع مشتركة واستغلال الفرص الموجودة في العالم وكذلك لجعل المنظومة أكثر استجابة لمصالح الجنوب

لا مناص للسياسات من ان تتبدل ولوسائل عمل جديدة من ان تستحدث، ان هذه مهمات ضخمة ولكن على الجنوب ان يواجهها وإلا واجه مزيدا من التهميش والفاقة، ان التعاون والتنمية بين الشمال والجنوب هو لمصلحه شعوب الارض قاطبة ومستقبل البشرية كلها.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال