قراءة فى قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 وتعديلاته - محمد على ماهر

تحتاج الدول إلى وضع إستراتيجية تطوير توفر نظرة واضحة لدور الإدارة الجمركية ,  وأن تأخذ بعين الاعتبار بشكل خاص كيف ستتناول هذا التطوير بينما تقوم في نفس الوقت بتحقيق والمحافظة على المعايير الدولية في تشريعاتها الجمركية.
ولتطوير القانون الجمركي, من المهم أن تتشاور الإدارة الجمركية مع المجتمع التجاري.
وقد صدر قانون الجمارك الحالي بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 , إلا أنه نظرا لما طرأ على النظام الإقتصادى المصري من تغييرات جذرية في السنوات الأخيرة تمثلت في التحول نحو نظام الاقتصاد الحر وما تبع ذلك من إعمال مبادئ قوى السوق والعرض والطلب وتحرير التجارة الدولية، ولما كان قانون الجمارك أحد الأدوات الهامة لتحقيق السياسة الاقتصادية التي تسير عليها الدولة بصفة عامة والسياسة الجمركية بصفة خاصة, لذا بات من الضروري إصدار قانون جديد يتمشى مع السياسات الاقتصادية والجمركية المصرية والعالمية .
ومن رأينا فإن التشريع الجمركي الحالي يثور حوله عدة ملاحظات نتناولها تباعا, حتى نصل إلى ضرورة إصدار قانون جمارك جديد.
بعض الملاحظات على قانون الجمارك الحالي :    نظرا لمرور سنوات عديدة على صدور قانون الجمارك الحالي, وعلى الرغم من التعديلات الكثيرة التي تمت على هذا القانون , وآخرها التعديل الذي تم بالقانون رقم 95 لسنة 2005 إلا أن هناك - من رأينا - بعض من الملاحظات نتناولها في النقاط التالية:
أولا :على الرغم من التطور الكبير الذي طرأ على تبادل المستندات بالطرق الإلكترونية الحديثة في الكثير من دول العالم
ومع ورود النص في اللائحة التنفيذية لقانون الجمارك الصادرة بقرار وزير المالية رقم 10 لسنة 2006 ، حيث نصت المادة 38 : " على مصلحة الجمارك الاحتفاظ بقوائم الشحن والأوراق المنصوص عليها في المادتين السابقتين لمدة خمس سنوات ،  ويجوز أن يتم الحفظ بالطرق الإلكترونية ".
كما نصت المادة 39 من اللائحة : " على إدارات المنافستو استلام ومراجعة إخطارات بيانات قوائم الشحن والمستندات المرفقة , والملاحق وتحديد ما يقع في الإجراءات من مخالفات والغرامات المترتبة عليها ، ويجوز قبول قوائم الشحن مستنديا أو بالطرق الإلكترونية ",إلا أنه لا يوجد نص في قانون الجمارك الحالي ، كما هو الحال في قانون التجارة مثلا ، يعطى المستندات الجمركية المتبادلة بالطرق الإلكترونية الحجية القانونية في الإثبات ، حتى يتم التخلص من البيئة الورقية في التعامل ، وإنهاء مشاكل التكدس في حفظ المستندات, ولتيسير الإجراءات الجمركية .
ثانيا: رغم تعديل المادة 30 من قانون الجمارك بالقانون 160 لسنة 2000 
فيما يتعلق بالاحتفاظ بالسجلات والوثائق والمستندات , وإعطاء الحق لموظفي الجمارك في الاطلاع عليها وضبطها عند وجود مخالفة, إلا أنه لا يوجد نص في القانون يمنح هؤلاء الموظفين حق الدخول لمقار المستوردين, ولا توجد عقوبة رادعة تطبق في حالة منع موظفي الجمارك من الدخول للفحص والمراجعة, وبالتالي فإن الجمارك حاليا تطبق نظام إدارة المخاطر أي الإفراج عن البضائع بنظام المسارات ( الخط الأخضر , والخط الأحمر ), مع وجود بعض الصعوبات عند إجراء المراجعة اللاحقة في مقار بعض المستوردين. 
ثالثا : نص المادة 32  في قانون الجمارك الحالي لا يسمح بتقديم قائمة الشحن للجمارك قبل وصول السفينة أو وسيلة النقل.
إذ ورد النص "على ربابنة السفن أو من يمثلونهم أن يقدموا إلى مكتب الجمارك خلال أربع وعشرين ساعة من وصول السفينة على الأكثر ـ بدون حساب أيام العطلات الرسمية ـ قائمة الشحن الخاصة بالبضائع المشحونة عليها إلى الجمهورية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة " , مما قد يتسبب في تأخير الإجراءات , لاسيما وأن الجمارك تسعى دائما إلى تقليل زمن الإفراج .
رابعا :  نص المادتين 38 ، 117 :-
 نظمت المادة 38 حالات انتفاء المسئولية عن العجز الذي يرد في البضائع عما هو وارد بقائمة الشحن، حيث نصت على أن:
تنتفي المسئولية عن مخالفة الحكم الوارد في المادة (37) من هذا القانون في الأحوال الآتية:
  1. إذا كانت البضائع أو الطرود الناقصة لم تشحن أصلا من ميناء الشحن.
  2. إذا شحنت البضائع أو الطرود إلا أنها لم تفرغ في البلاد أو فرغت خارجها .
  3. إذا كانت عنابر السفينة أختامها سليمة أو وردت الحاويات بأختام سليمة وأرقام مطابقة لما هو مدون ببوليصة الشحن ، أو سلمت الطرود بحالة ظاهرية سليمة يرجح معها حدوث النقص قبل الشحن .
ويتعين أن يكون تبرير النقص في الحالات المنصوص عليها في البنود الثلاثة السابقة وفقا للقواعد والشروط التي تنظمها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.  والحالات الثلاث التي وردت بهذه المادة حالات منطقية تدل على أن العجز الوارد بالبضائع عجز مبرر وبالتالي فلا مسئولية عند حدوثه، ولكن إذا كان العجز غير مبرر فإن منطق الأمور يقتضى أن تكون هناك مسئولية جنائية تقابلها عقوبة، ولكن الشئ المستغرب أنه بالرجوع لنص المادة 117 المستبدلة بالقانون 95 لسنة 2005 نجد أن المشرع قد ألغى العقوبة التي كانت مقررة على العجز غير المبرر في البضائع الواردة عما أدرج في قائمة الشحن، وبالتالي فلم يكن بحاجة إلى سرد لحالات يرى فيها انتفاء المسئولية .
فقد نصت المادة 117 : " دون إخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها القانون ومع عدم الإخلال بأحكام المادة (38) من هذا القانون ، يعاقب بغرامة تعادل 25% من الضريبة الجمركية المعرضة للضياع كل من تسبب عمدا أو بطريق الإهمال في الزيادة عما أدرج في قائمة الشحن في عدد الطرود أو محتوياتها أو البضائع المنفرطة .
فإذا كانت الزيادة في البضائع تحمل نفس العلامات والأرقام الموضوعة على طرود أخرى مدرجة في قائمة الشحن فتعتبر الطرود المقرر عليها ضرائب ورسوم أكبر هي الطرود الزائدة ".
خامسا :  نص المادة 46 :
نصت هذه المادة بعد تعديلها بالقانون 95 لسنة 2005 على أنه " يجوز تعديل الإيضاحات الواردة في البيان الجمركي المقدم للجمارك قبل تحديد الطرود المعدة للمعاينة، كما يجوز تعديل الأخطاء المادية في أي مرحلة من مراحل الإفراج " .
بعد أن كان الأصل في هذه المادة قبل تعديلها هو عدم جواز تعديل الإيضاحات الواردة في البيان بعد تقديمه للجمارك إلا بعذر مقبول وترخيص كتابي من مدير الجمرك المحلى وقبل تحديد الطرود المعدة للمعاينة , وبالتالي أصبح هناك تيسير على المتعاملين فيما يتعلق بالتعديلات الواردة على البيان الجمركي  مع التفرقة بين تعديل الإيضاحات وتعديل الأخطاء المادية،  ومع ذلك فقد أحدث هذا التعديل لبسا عند التطبيق فيما يتعلق بالأخطاء المادية مثل الخطأ في الحساب, حيث يقتصر الأمر على تصحيح هذه الأخطاء حتى قبل الإفراج أخذا بظاهر النص، بينما يجب تصحيح هذه الأخطاء حتى بعد تمام الإفراج, وذلك للحد من المنازعات, لاسيما وأن المبالغ المحصلة نتيجة هذه الأخطاء تكون غير مستحقة للخزانة العامة .
سادسا :  نص المادة 57 :
وجود عضو قضائي في تشكيل لجان التحكيم سواء في أول درجة أو في ثاني درجة لفض المنازعات الجمركية حول نوع البضاعة أو قيمتها أو منشئها أمر يحتاج إلى النظر فيه , نظرا لأن هذه المنازعات تحتاج إلى خبرات فنية متخصصة, لذا نرى في حالة تعديل القانون أن يكون العنصر المرجح ذو خبرة فنية جمركية , وهذا الأمر سينعكس على القرارات الصادرة من لجان التحكيم بالإيجاب .
سابعا : نص المادة 98 :
التعديل الذي تم على هذه المادة بالقانون رقم 157 لسنة 2002 جعل هناك إمكانية للتصرف  في البضائع الواردة تحت نظام السماح المؤقت بالشروط الواردة بها, بعد أن كان التصرف مجرما قبل هذا التعديل  مما فتح الباب أمام البعض للاتجار في هذه البضائع بدلا من تصنيعها وإعادة تصديرها , فانتفى الهدف الأساسي الذي من أجله وضع هذا النظام في القانون.
ثامنا : نص المادة 118/3 : 
تفرض هذه المادة غرامة تساوى ربع الضريبة الجمركية المعرضة للضياع في حالات ثلاث آخرها" عدم الاحتفاظ بالأوراق والمستندات والوثائق أو عدم تقديمها بالمخالفة لأحكام المادة (30) من هذا القانون"، وهذه الغرامة من المستحيل حسابها في غيبة المستندات غير المحتفظ بها, أو التي امتنع صاحب الشأن عن تقديمها ، وبالتالي فهو نص معطل، والأولى أن تكون الغرامة مبلغا محددا بدلا من أن تكون نسبة من الضريبة الجمركية المعرضة للضياع .
تاسعا : نص المادة 122 :
تخفيف العقوبة على جرائم التهرب الجمركي الواردة بنص هذه المادة في التعديل الذي تم عليها بالقانون 95 لسنة 2005 أمر لا يتفق مع السياسة العقابية التي تدعو إلى ردع المخالفين لأحكام هذا القانون, لاسيما ونحن في بلد نام يحتاج إلى الضرب بيد من حديد على كل من يحاول النيل من اقتصاد هذا البلد بهدف الربح السريع .  
عاشرا : نص المادة123 :
إلغاء المشرع للعقوبة على الشروع في استرداد الضرائب الجمركية أو الضرائب الأخرى،  وقصر العقوبة على الجريمة التامة في حالتي الغش أو التزوير يجعل من لم تتم جريمته يفلت من العقاب.
الحادى عشر : نص المادة 130 مكرر:
كشف العمل عن صعوبات جمة ترتب عليها تعطيل حكم المادة  130 مكرر من القانون الحالي التي تعالج حالة البضائع التي لم يقم أصحابها بسحبها ويتعذر بيعها إذ أنها تشترط :
  1. أن تمضى سنتان علي الأقل من تاريخ آخر عرض للبيع.
  2. أن يكون قد سبق إخطار ذوي الشأن أو من يمثلهم بكتاب موصي عليه بعلم الوصول بما يتضمن ضرورة سحب بضائعهم من الدائرة الجمركية قبل عرضها للبيع.
  3. أن يكون قد سبق عرض هذه البضائع للبيع بالمزاد العلني مرتين علي الأقل ولم يتم بيعها.
  4. الحصول على إذن بأمر على عريضة من القاضي المختص حتى يتسنى التصرف فيها للجهات الحكومية ونحوها سواء بمقابل أو بدون مقابل.
لذا يجب إعادة  صياغة نص هذه المادة على نحو يضع آلية  مبسطة  تسمح بالتصرف في تلك البضائع للجهات الحكومية وما في حكمها بدون مقابل , وأن تؤول ملكيتها إلى تلك الجهات المحددة بالنص مطهرة من القيود الاستيرادية والضريبة الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم بما في ذلك الضريبة العامة على المبيعات.
الثانى عشر : عدم وجود نص يجيز تقسيط الضريبة للمشروعات الصناعية تشجيعا لحركة الاستثمار وتعظيم دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
الثالث عشر : إضافة المادة الرابعة إلى قانون الإصدار بالقانون رقم 95 لسنة  2005 :
أوجبت هذه المادة على وزير المالية إصدار اللائحة التنفيذية للقانون لتبين النسب ، والبضائع، والقواعد، والشروط، والضمانات، والإجراءات التي اسند القانون تحديدها أو إصدارها إلى وزير المالية أو رئيس مصلحة الجمارك أو المدير العام للجمارك - وبصدور هذه اللائحة بقرار وزير المالية رقم 10 لسنة 2006 أصبح لهذا القانون لائحة تنفيذية متكاملة لأول مرة، بعد أن كان يتم تنفيذ أحكامه بموجب قرارات وزارية، وإدارية متفرقة يشق على العاملين، والمتعاملين جمع شتاتها لاسيما وأن تعديلات عديدة كانت تلحق بها، فكان صدور هذه اللائحة تيسيرا على الجميع في الرجوع إليها دون تكبد عناء البحث في قرارات متفرقة . ولكن رغم هذه الميزة التي أضافها القانون 95 لسنة 2005 إلا أن تنظيم الإجراءات على البضائع كان من الممكن تركه لقرار إداري يصدر عن رئيس المصلحة نظرا للتفصيلات الكثيرة المتعلقة بها، ولسرعة تعديلها عند الحاجة.  لذا يجب الأخذ بأحدث ما انتهت إليه الأنظمة الجمركية، وما قررته المؤتمرات والاتفاقات الدولية، مع وضع فلسفة عامة تقوم على استهداف تيسير حركة التجارة الدولية ومراعاة دواعي الحماية وصولا إلى المعايير الدولية بما يتفق مع التحولات الحديثة في الاقتصاد المصري وذلك من خلال تحقيق الأهداف التالية :
  • تيسير حركة التجارة من خلال سرعة انسياب التجارة .
  • تشجيع حركة الاستثمار وتعظيم دور القطاع الخاص . 
  • تحقيق مبدأ الشفافية.
  • توفير الحماية اللازمة ضد التجارة غير المشروعة والممارسات الضارة .
  • تعظيم الدور الاقتصادي للقانون الجمركي.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال