الإعتماد المستندى من الوجهة القانونية- محمد على اسماعيل

معنى الإعتماد المستندى :

عقد البيع هو العقد الذي يقوم البائع والمشترى بإبرامه لإتمام عملية بيع شيء ما يتفقان عليه بشروط قانونية محددة, ويكون على كل منهما إلتزامات في مواجهة الآخر.
من أهم إلتزامات البائع تسليم الشئ المبيع, ومن أهم إلتزامات المشترى دفع الثمن .
يسهل إتمام عقد البيع, وأداء كل طرف إلتزاماته عندما يكون كل من البائع والمشترى في مكان واحد أو يكون أحدهما قريب من الآخر كأن يكونا مثلا من بلد واحد, ولكن تكمن الصعوبة عندما يكونان في بلدين مختلفتين, أي يكون البيع دوليا يتم عبر الحدود, فكيف يطمئن كل منهما إلى الآخر بشأن تنفيذ الإلتزامات الناشئة عن عقد البيع .
يشترط البائع على المشترى في البيوع الدولية أن يطلب قيام أحد البنوك بإصدار تعهد بدفع الثمن إذا سلمه البائع المستندات الخاصة بالمبيع حتى يتسلم المشترى بموجب هذه المستندات البضاعة من الناقل البحري .
وبذلك التعهد المكتوب من بنك المشترى يكون قد تم فتح إعتمادا مستنديا لصالح البائع. يقوم البنك بإرسال خطاب الاعتماد (Letter of Credit)   إلى البائع مباشرة أو بواسطة بنك وسيط ِAdvising Bank))في بلد البائع. وقد يطلب من البنك الوسيط تعزيز الإعتماد حيث يكون للبائع حق تجاه كل من البنكين, وعندما يقدم البائع المستندات المطلوبة في خطاب الإعتماد ويفحصها البنك يقوم بدفع المبلغ الوارد بالخطاب, ويقوم البنك بنقل المستندات إلى المشترى حيث يتسلم الأخير البضاعة بموجب هذه المستندات.
وبالتالي فإن علاقات الأطراف في الإعتماد المستندى تتم بالنظر إلى مركزهم تجاه المستندات وليس تجاه البضاعة.

القواعد الدولية والتشريع المصري:

تم وضع القواعد الخاصة بالإعتماد المستندى في فيينا عام 1933 , ثم في باريس عام 1962 , ثم أعيد صياغتها في باريس عام 1974 بمشاركة لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي, وصدرت التوصية بإستخدام الصياغة الجديدة من أول أكتوبر 1975 .
كان الأخذ بالقواعد الدولية بشأن الإعتماد المستندى هو المعمول به في مصر حتى صدر قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 متضمنا تنظيم أحكام الإعتماد المستندى في المواد من 341 حتى 350.
منذ صدور قانون التجارة أصبحت القواعد الدولية لا تنطبق تلقائيا بل لابد من إفصاح ذوى الشأن عن رغبتهم في الأخذ بهذه القواعد , وأصبح قانون التجارة المصري المنظم للإعتماد المستندى واجب السريان, على أن تسرى القواعد الواردة بالأعراف الموحدة للإعتمادات المستندية Uniform Customs الصادرة من غرفة التجارة الدولية  (ICC) فيما لم يرد بشأنه نص فيه. ( م341/3 قانون التجارة) وتطبق هذه القواعد الدولية فيما لم يرد فيه نص حتى ولو لم يرد في إتفاق الأطراف النص على تطبيقها.
وعقد الإعتماد المستندى بين العميل (المشترى) ويسمى الآمر(Applicant), والبنك فاتح الإعتماد (Issuing bank) لصالح البائع ( ويسمى المستفيدBeneficiary  ) هو عقد مستقل عن العقد الذي فتح الإعتماد بسببه ، حيث يبقى البنك أجنبيا عن هذا العقد (م341/2), فالإعتماد بطبيعته عملية تجارية مستقلة عن عملية البيع التي إنعقدت بين البائع والمشترى.

الآثار المترتبة على عقد فتح الإعتماد المستندى:

يلتزم العميل بالإبقاء على أوامره نظرا لإلتزام البنك أمام البائع بفتح الإعتماد وفق الشروط الواردة به, كما يلتزم العميل بدفع العمولة للبنك, ومن جهة أخرى يلتزم البنك بأن يصدر خطاب الضمان للمستفيد ( البائع ) متى توافرت شروط تنفيذه .
يقوم البنك بإرسال خطاب الإعتماد (L/C)إلى البائع متضمنا تحديد حقوقه كمستفيد, والواجبات التي عليه أن ينفذها.
ويجوز أن يكون الإعتماد المستندى قابلا للإلغاء(Revocable), أو باتا غير قابل للإلغاءIrrevocable)), فالأول لا يلزم البنك بإبقاء الإعتماد مفتوحا إلى التاريخ المحدد فيه, وإذا كان البنك ملزم بالإبقاء على الإعتماد طوال مدته فإن ذلك يكون أمام عميله وطبقا لعقد الإعتماد, ولكن يمكن للبنك إنهاء إلتزامه قبل حلول مدته دون حاجة إلى إخطار المستفيد بذلك (م344 من قانون التجارة). أما في الإعتماد المستندى غير القابل للإلغاء وهو الأكثر إنتشارا فلا يجوز للبنك أن يسحب إعتماده ويلتزم نهائيا بالمدة المحددة بالخطاب, وقد نصت المادة 343/2 من قانون التجارة على أن يكون الإعتماد غير قابل للإلغاء إلا إذا إتفق صراحة على قابليته للإلغاء. وهذا النوع من الإعتمادات يحقق المزيد من الثقة والإطمئنان في التعامل.
وإذا كان عقد الإعتماد المستندى يولد فائدة للبائع بالرغم من أنه ليس طرفا فيه، إلا أنه لا يعطى لهذا البائع حقا في التمسك بما ورد فيه من أحكام تخص العلاقة بين المشترى والبنك, وبالتالي فمن غير المتصور إبداء دفوع ضد البائع مصدرها عقد فتح الإعتماد، إلا أنه من المتصور إبداء دفوع ضد البائع مصدرها علاقة البيع لأنه طرف فيها.

الإلتزام النهائي للبنك أمام المستفيد:

أوردت المادة 345 من قانون التجارة في فقرتها الأولى ما يلي: "يكون إلتزام البنك في حالة الإعتماد المستندى البات قطعيا ومباشرا قبل المستفيد وكل حامل حسن النية للصك الذي سحب تنفيذا للعقد الذي فتح الإعتماد بسببه" يفهم من ذلك أن الإلتزام قبل المستفيد ينشأ منذ لحظة مولده, ويؤيد ذلك ما أوردته الفقرة الأولى من المادة 346من قانون التجارة والذي أكد المشرع فيها على جواز تأييد الإعتماد المستندى البات من بنك آخر يلتزم بدوره قطعيا ومباشرة قبل المستفيد.  وقد جاءت الفقرة الثانية من المادة 345 مقررة لحكم مستقر في الأصول الدولية فنصت على أنه :" لا يجوز إلغاء الإعتماد المستندى البات أو تعديله إلا بإتفاق جميع ذوى الشأن فيه ". وهذا الحكم ضمان للبائع, ويرى البعض في هذه النقطة أن أهميتها تنبع من أن قوة تعهد البنك إنما تعود إلى عدم جواز قيامه بسحب أو تعديل الإعتماد حتى ولو قيل بأن له الحق في ذلك أمام طالب فتح الإعتماد ( المشترى - المستورد ).
بالإضافة لما سبق فقد إستقرت الأعراف الدولية على أن مراقبة البائع في تنفيذ إلتزاماته في نظر البنك مرجعها خطاب الإعتماد, فالبنك إنما يلتزم بما هو مدون بالخطاب أيا كان سببه, فلا يصح وصف البنك بأنه ضامن أو كفيل يتبع إلتزامه إلتزام المدين بل يعتبر إلتزام البنك مستقلا عن عقد البيع ولا يلزم بالوفاء إلا إذا كانت المستندات المقدمة إليه مطابقة تماما لشروط فتح الإعتماد, وهذا ما سبق وأن استقرت عليه محكمة النقض, وورد في نص المادة 347 من قانون التجارة, فالعبرة بمدى مطابقة المستندات لشروط خطاب الإعتماد, ومتى تحققت المطابقة فلا سبيل إلا أداء البنك لإلتزامه حتى ولو أخطره المشترى بسوء تنفيذ عقد البيع, فقد نصت المادة 348 من قانون التجارة على أنه 
  1. لا مسئولية على البنك إذا كانت المستندات في ظاهرها مطابقة للتعليمات التي تلقاها من الآمر.
  2. ولا يتحمل البنك أي إلتزام يتعلق بالبضاعة التي فتح الإعتماد بسببها."  الإعتماد المستندى القابل للتحويل (Transferable D/C):
قد يقوم البائع ببيع بضاعة ليست تحت يده, ولذلك يطلب من البنك الذي فتح له الإعتماد أن يحوله كله أو بعضه لصالح المصنع أو المنتج , ويسمح البائع للمصنع أو المنتج بتقديم المستندات إلى البنك وقبض النقود, وهذا ما يسمى بعملية تحويل الإعتماد.
 وقد نصت المادة 349 من قانون التجارة على أنه "لا يجوز تحويل الإعتماد المستندى ولا تجزئته إلا إذا كان البنك الذي فتحه مأذونا في تحويله  كله أو بعضه إلى شخص أو إلى جملة أشخاص غير المستفيد الأول بناءا على تعليمات صادرة من هذا المستفيد. ولا يتم التحويل إلا إذا وافق عليه البنك ولا يجوز التحويل إلا مرة واحدة ما لم يتفق على غير ذلك" والمقصود أنه ليس للمستفيد الثاني من التحويل أن ينقل الإعتماد إلى مستفيد ثالث.
وأخيرا نظم القانون في المادة 350 كيفية وميعاد سداد المشترى لقيمة المستندات المطابقة لشروط فتح الإعتماد وذلك بأن يتم السداد إلى البنك خلال ستة أشهر من تاريخ تبليغه بوصول تلك المستندات, فإذا تراخى المشترى وانقضت المهلة المذكورة دون سداد جاز للبنك إقتضاء حقه بإتباع إجراءات التنفيذ على المرهون لديه رهنا تجاريا من أشياء تخص الآمر (المشترى) وملحوظ هنا حرص المشرع على توفير السرعة للبنك في إقتضاء حقه, على أن حرص المشرع على حق البنك في التنفيذ على البضاعة خلال المدة المحددة بنص المادة 350 لا يعنى حرمان الأطراف الأخرى من حق الحجز لاستيفاء حقوقهم طبقا للقواعد العامة في القانون.
لاشك أن النص في قانون التجارة على سريان القواعد الواردة بالأعراف الموحدة للإعتمادات المستندية  الصادرة من غرفة التجارة الدولية وذلك فيما لم يرد في شأنه نص خاص يعد من الأمور الحسنة, وعليه فإن قانون التجارة المصري يقدم للمشتغلين بالتجارة الدولية أحكاما تعينهم على الإستعانة بوسيلة الإعتماد المستندى التي تعد خير معين في تسوية معاملات التجار ة الدولية. 


إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال