العقد الادارى - د. محمد أمين

لعل أهم ما يميز العقد الإداري عن العقد المدني مركز الإدارة فيه، فالإدارة تتمتع بسلطات وامتيازات استثنائية لا مثيل لها في عقود القانون الخاص، وذلك لإلزام المتعاقد مع الإدارة على الوفاء بالالتزامات التي يقتضيها سير المرافق العامة بانتظام واطراد. وتنفيذ شروط التعاقد المنصوص عليها في العقد الإداري أو كراسة الشروط.
     وشأن العقد الإداري كشأن سائر العقود يتم بتوافق إرادتين تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين هو إنشاء التزام أو تعديله وبذلك فتنشأ التزامات ومراكز قانونية لكل من عقود القانون الخاص وعقود القانون العام، إلا أن مضمون هذه الالتزامات والقواعد التي تحكم هذه العقود تختلف اختلافاً جوهرياً في عقود القانون الخاص عنها في العقود الإدارية، إذ تتميز هذه الأخيرة بطابع خاص مناطه احتياجات المرافق الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب النفع أو المصلحة العامة فيها على مصالح الأفراد الخاصة، فبينما تكون مصالح الطرفين في العقود المدنية متوازية ومتساوية، فإنها في العقود الإدارية غير متكافئة يعلو فيها النفع أو الصالح العام على الصالح الخاص.
ولم يحدد المشرع العقود الإدارية في كثير من الدول، مثل فرنسا ومصر على سبيل الحصر، ففي مصر تعتبر العقود الإدارية "عقوداً إدارية بطبيعتها"، ووفقاً لخصائصها الذاتية، لا بتحديد القانون، ولا وفقاً لإرادة المشرع، كذلك أكدت المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972م على أن: "تختص محاكم مجلس الدولة بالفصل في منازعات عقود الإلتزام أو الأشغال العامة أو التوريد، وبأي عقد إداري آخر"، مما يعني أن المشرع لم يحدد أنواع وأشكال العقود الإدارية على سبيل الحصر، كما أنه لم يقصد تحديدها بحكم القانون، بل ترك الأمر وفقاً للمعيار الذي يستقر عليه القضاء الإداري.
     وقد عرفت المحكمة الإدارية العليا "العقد الإداري" بأنه: "العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره، وأن تظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطاً أو شروطاً غير مألوفة من عقود القانون الخاص".
     وهكذا يتضح من التعريف السابق أن الشروط الأساسية للعقود الإدارية تتركز في الحقيقة في شرطين هما:
الشرط الأول: أن يكون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام. 
الشرط الثاني: استخدام الإدارة امتيازات السلطة العامة. 
أولاً- أن يكون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام: 
     يجب أن يكون أحد طرفي العقد الإداري شخصاً من أشخاص القانون العام، كالدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية أو المرفقية، ذلك فإن اشتراط وجود أحد أشخاص القانون العام شرط أساسي في اعتبار العقد إدارياً، وغالباً ما يكون الطرف الآخر من أشخاص القانون الخاص وهذا هو السائد في العقود الإدارية.
ثانياً- استخدام الإدارة امتيازات السلطة العامة "الإمتيازات الإستثنائية":  
     من الجدير بالذكر أن شرط كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام لا يكفي لاعتبار العقد إدارياً، ما لم يتوافر الشرط الآخر وهو استخدام الإدارة- عند تعاقدها- أساليب القانون العام بوصفها سلطة عامة، أي بمعنى إما أن تتضمن شروط العقد امتيازات السلطة العامة، وأما أن يتصل موضوع العقد بمرفقٍ عام.
     ومن المسلم به في إطار القانون الخاص أن العقد شريعة المتعاقدين، وهذا يعني سيادة القوة الملزمة للعقد بين أطرافه، فليس لأي من المتعاقدين أن يتحلل من التزامه بإرادة منفردة، ولا يجوز له نقض العقد أو تعديله إلا برضاء الطرف الآخر، ووفقاً لما يقرره القانون، إلا أن الأمر يختلف في مجال العقود الإدارية، وذلك عندما تختار الإدارة في تعاقدها أساليب القانون العام ووسائله، وتتصرف بوصفها سلطة عامة أساليب القانون العام في تعاقدها من خلال أحد الأمرين الآتيين: 
1- أن يتضمن العقد شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص، وذلك بأن تشترط الإدارة لنفسها التمتع ببعض الامتيازات التي تمس مبدأ المساواة بين المتعاقدين، مما يدلل عن رغبة الإدارة في استخدام أساليب السلطة العامة ووسائل القانون العام، وبذلك فإن تضمين العقد ببعض الشروط غير المألوفة أمرٌ اختياري بالنسبة للإدارة، فإن شاءت أدخلت في عقودها بعض هذه الشروط، مما يؤدي إلى إضفاء الصفة الإدارية على العقد، وإن أرادت امتنعت عن ذلك، واخضعت عقودها لأحكام القانون الخاص.
     وتبقى مسألة استخدام الإدارة لامتيازات السلطة العامة -إذا لم تنص عليها القوانين واللوائح- من الأمور المقررة لمصلحة الإدارة، فإذا أرادت أن يتصف العقد ببعض الصفات والشروط لجأت إلى تضمين العقد شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص، وغالباً ما نجد الإدارة تشترط في عقودها الإدارية استخدام وسائل وامتيازات القانون العام لإضفاء الصفة الإدارية على عقودها وإن لم يتصل العقد بمرفق عام.
     ومن الأمثلة على ذلك حق الإدارة في توقيع الجزاءات على المتعاقد معها، وسلطتها في إنهاء العقد بإرادتها المنفردة بفسخ العقد دون اللجوء إلى القضاء أو دون حاجة لرضاء الطرف الآخر، الذي يعد من أبرز مظاهر السلطة العامة في العقود الإدارية، وكذلك حق الإدارة في إعطاء الأوامر التنفيذية وإصدار التعليمات وتوجيه المتعاقد ومراقبته أثناء تنفيذ العقد وغير ذلك من الأعمال المادية، وأيضاً حق الإدارة في أن تجيز للمتعاقد معها التمتع ببعض امتيازات السلطة العامة، كحق نزع ملكية العقار للمنفعة العامة، أو استخدام وسائل الإكراه المادي ضد الأفراد، وغيرها من الشروط غير المألوفة التي يمكن أن يتضمنها العقد، فقد يحتوي العقد على شرط استثنائي واحد من الشروط السابقة يكفي لاعتبار العقد عقداً إدارياً، كأن يظهر بوضوح في العقد نية الإدارة في الأخذ بأسلوب القانون العام وأحكامه في إبرام العقد وتنفيذه. 
وبذلك تبقى أهمية الشروط غير المألوفة كمظهر أساسي من مظاهر استخدام الادارة لوسائل القانون العام في إبرام العقود.
2- أن يتولى المتعاقد مع الإدارة بموجب العقد تنفيذ مرفق عام سواء تعلق الأمر بتنظيمه أو تشغيله أو المساهمة في أعماله، ذلك أن تكليف المتعاقد على عاتقه مسؤولية تنفيذ مرفق عام هو في حد ذاته يتضمن شرطاً غير مألوف إضافة إلى ذلك أن العقد الذي يتعلق بتنفيذ مرفق عام غالباً ما يتضمن شروطاً غير مألوفة في عقود القانون الخاص.
     وبذلك فإن استعمال الإدارة لوسائل القانون العام وأساليبه يمكن أن يظهر في حالة احتواء العقد على شروط استثنائية، أو يمكن أن يتوافر في حالة قيام المتعاقد بتنفيذ موضوع مرفق عام.

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال