إختصاص القضاء الإدارى بمنازعات الضرائب والرسوم الجمركية |
كتب/ السيد جمعه
والذى أصبح بموجبها صاحب الولاية العامة بنظر سائر المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعى، وقلنا أن مسلك القضاء الادارى يسير نحو تقرير اختصاصه بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية، رغم عدم صدور القانون الخاص الذى ينظم نظر هذه المنازعات أمام مجلس الدولة تأسيسا على أن المشرع لم يعهد للقضاء العادى بنظر المنازعات المتعلقة بالضرائب والرسوم الجمركية.
وقد أوضحنا أن هناك معوقات كثيرة تقف حائلا دون اختصاص القضاء الادرى دون غيره بنظر كافة منازعات الضرائب والرسوم الجمركية، ومن ضمنها تراخى المشرع فى إصدار القانون الذى ينظم كيفيه نظر المنازعات الخاصة بالضرائب والرسوم أمام مجلس الدولة منذ عام 1972 حتى الآن، وعدم النص صراحة فى قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 أو فى التعديلات الكثيرة التى أدخلت عليه فى السنوات الأخيرة على اختصاص القضاء الادارى بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية.
وأخيرا فقد ناشدنا المشرع المصرى أن ينص صراحة فى مشروع قانون الجمارك الجديد الذى يجرى إعداده على اختصاص القضاء الادارى بنظر هذه المنازعات، مثلما فعل فى القانون رقم 196 لسنه 2008 بشان قانون الضريبة العقارية، حيث نصت المادة (7) من هذا القانون على أن " يختص القضاء الإدارى دون غيره بالفصل فى المنازعات التى تنشأ عن تطبيق هذا القانون ".
منازعات الضرائب والرسوم الجمركية ذات طبيعة إدارية
وبعد عدة سنوات على نشر هذه المقالات، مرت خلالها مصرنا الحبيبة بأحداث جسام، أدت إلى عدم التفات المشرع إلى المناشدة التى أبديناها له بالنص صراحة فى قانون الجمارك على اختصاص القضاء الادارى بالفصل فى كافة منازعات الضرائب والرسوم الجمركية، نجد أن المحكمة الدستورية تأخذ زمام المبادأة وتؤيد ما ذهبنا إليه من أن منازعات الضرائب والرسوم الجمركية ذات طبيعة إدارية.
وبالتالى تندرج ضمن الاختصاص المحدد للقضاء الإدارى باعتباره صاحب الولاية العامة فى الفصل فى كافة المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعى، حيث قضت فى الدعوى رقم 10 لسنة 33 قضائية دستورية "تنازع " الصادر بجلسة 12/1/2014 بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى رقم 2294 لسنة 59 ق ادارى الإسكندرية، دون الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية فى الدعوى رقم 1312 لسنة 1999 تجارى كلى.
وتتلخص وقائع الدعوى الدستورية فى أنه بتاريخ 6/4/2011 ، أودع المدعى صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بالإسكندرية فى الدعوى رقم 2294 لسنة 59 ق، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية فى الدعوى رقم 1312 لسنة 1999 تجارى كلى إسكندرية.
وكان المدعى قد أقام تلك الدعوى ضد السيد وزير المالية والسيد رئيس مصلحة الجمارك بصفتيهما، بطلب ندب أحد خبراء وزارة العدل لتقدير الرسوم الفعلية المستحقة على الرسالة الجمركية موضوع الدعوى، وبيان ما سدده بالزيادة تمهيدا للحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بتأديتها والفوائد القانونية من تاريخ السداد وحتى ردها، وبعد أن باشر الخبير مهمته، أودع تقريره الذى تضمن أن المدعى سبق وأقام الدعوى رقم 892 لسنة 1994 مدنى كلى دمياط بطلب براءة ذمته من مبلغ 209314 جنيها، وهو جزء من المبلغ موضوع الدعوى المماثلة، وقد قضى برفض دعواه.
فأستأنف ذلك الحكم بالاستئناف رقم 145 لسنة 27 قضائية المنصورة، إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتأييد حكم محكمة الدرجة الأولى، وترتيبا على ما تقدم، حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بجلسة 25/2/2003 بانتهاء الدعوى الأصلية وإلزام المدعى بأن يؤدى للمدعى عليه الأول مبلغ 324549 جنيها وفوائده ولم يرتضى المدعى هذا الحكم.
فقد أقام الدعوى رقم 2294 لسنة 59 قضائية أمام محكمة القضاء الادارى بالإسكندرية، بطلب الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه تضمنه من إلزامه بسداد مبلغ 324550 جنيها كفروق رسوم جمركية مستحقه عليه، وبجلسة 5/7/2005 قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما حدا بالمدعى إلى الالتجاء إلى المحكمة الدستورية العليا طالبا الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى فى الدعوى رقم 2294 لسنة 59 قضائية ادارى، دون الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية فى الدعوى رقم 1312 لسنة 1999 تجارى كلى.
وقد تضمنت أسباب حكم المحكمة الدستورية العليا ما يلى : (( وحيث أن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن المشرع قد اقر بالطبيعة الإدارية للطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب والرسوم، وفقا للمقرر بالمادة (10) من قرار رئيس الجمهورية رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، التى عقدت فى البند السادس منها الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى القرارات السابق ذكرها.
لما كان ذلك وكان المرجع فى تحديد مقدار الرسوم الجمركية، وعناصرها، ومقوماتها والسلع الخاضعة لها، والملتزمين بسداده، هو قانون هذه الرسوم، والقرار الصادر من الجهة الإدارية تنفيذا لأحكامه، فإن المنازعة فى هذا القرار تعد منازعة إدارية بطبيعتها تندرج ضمن الاختصاص المحدد للقضاء الادارى، باعتباره صاحب الولاية العامة فى الفصل فى كافة المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعى.
وحيث أنه ترتيبا على ما تقدم، وكانت المنازعة التى فصل فيها الحكمان محل التناقض، تتعلق بفرض الرسوم الجمركية التى ينسحب عليها نص البند (سادسا) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة سالف الذكر، ومن ثم يتعين الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى فى الدعوى رقم 2294 لسنة 59 ق ادارى , دون الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية فى الدعوى رقم 1312 لسنة 1999 تجارى كلى )).
التعقيب على حكم المحكمة الدستورية العليا
ومما سبق يتبين أن المحكمة الدستورية العليا أيدت مسلك القضاء الادارى بتقرير اختصاصه بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية، وبذلك يكون القضاء الدستورى قد سبق المشرع فى تقرير هذا الاختصاص الذى سبق أن ناشدناه بالنص على هذا الاختصاص صراحة فى مشروع قانون الجمارك الذى يجرى إعداده.
ويثور الآن تساؤل هام للغاية وهو هل حكم المحكمة الدستورية سالف الذكر سيؤدى إلى عدم اختصاص القضاء العادى بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية بمعنى أنه يمكن الاستناد لهذا الحكم للدفع أمام محاكم القضاء العادى بعدم اختصاصها بنظر تلك المنازعات واختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظرها ؟
الحقيقة أننا وجدنا أن محاكم الموضوع منذ صدور حكم المحكمة الدستورية سالف الذكر اتجهت نحو تقرير عدم اختصاصها بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية والحكم بإحالتها إلى القضاء الادارى للاختصاص، بيد أن محكمة النقض ذهبت فى حكم حديث إلى عكس ذلك حيث دفعت نيابة النقض ذات الدفع إلا أن المحكمة ردت على الدفع وقالت:
(( وحيث أن مبنى الدفع المبدى من النيابة بعدم اختصاص القضاء العادى بنظر المنازعة واختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظرها هو الاستناد إلى حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 10 لسنة 33 .
وحيث أن هذا الدفع فى غير محله ذلك لان الثابت أن حكم المحكمة الدستورية مار الذكر صدر بشان تنازع اختصاص بين حكمين صادرين من جهتين قضائيتين القضاء العادى وقضاء مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى فى منازعة رد رسوم جمركية تم تحصيلها من مصلحة الجمارك ولم تتعرض المحكمة الدستورية فى حكمها سالف البيان لعدم دستورية أى من الاختصاصين وهو ما يختلف عن المنازعة الراهنة المقامة بشأن رد مبلغ رسوم خدمات سبق أن حصلتها المصلحة الطاعنة – ومن ثم يضحى فى غير محله جديرا بالرفض ))
( الطعن رقم 5902 لسنة 79 ق – جلسة 11/ 6 / 2015 )
ويبدو من استقراء هذا الحكم أن محكمة النقض تفرق بين آثار أحكام المحكمة الدستورية بعدم الدستورية وأحكامها الصادرة بشأن تنازع الاختصاص بين حكمين صادرين من جهتين قضائيتين، حيث قضت بأن " صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعى أثره – عدم جواز تطبيقه اعتبارا من اليوم التالى لنشر الحكم فى الجريدة الرسمية ".
( الطعن رقم 4929 لسنة 62 ق جلسة 25 / 10 / 1999 , الطعن رقم 3259 لسنة 60 ق – جلسة 13/ 4 / 1998 , الطعن رقم 2610 لسنة 60 ق – جلسة 5 / 1 / 1998 , الطعن رقم 2560 لسنة 60 ق – جلسة 5 / 1 / 1998 , الطعن رقم 2561 لسنة 60 ق – جلسة 5 / 1 / 1998 ).
بينما لم تقرر ذلك الأثر بالنسبة للحكم الصادر من المحكمة الدستورية بشأن تنازع اختصاص بين حكمين صادرين من جهتين قضائيتين، ومعنى ذلك أن القضاء العادى من الممكن أن يتمسك باختصاصه بنظر منازعات الضرائب والرسوم الجمركية حتى يصدر حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية اختصاصه بنظر تلك المنازعات، الأمر الذى سيقف حائلا دون اختصاص القضاء الادارى دون غيره بنظر كافة منازعات الضرائب والرسوم الجمركية. ولحل هذه المشكلة فإننا نعاود مرة أخرى الاقتراح بان يتدخل المشرع على وجه السرعة.
حكم حدبث للدستورية العليا:
ذهبت المحكمة الدستورية العليا فى حكم حديث جدا الى عكس ذلك حيث قالت :
وحيث أن المادة (192) من الدستور تنص على أن " تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفى تنازع الاختصاص بين جهات القضاء والهيئات ذات الاختصاص، والفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين متناقضين صادر احدهما من أية جهة من جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والأخر من جهة أخرى، والمنازعة فى تنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها، ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التى تتبع أمامها ".
وتنص المادة ( 195 ) من الدستور فى فقرتها الأولى على أن " تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم ".
وحيث أن مؤدى ما تقدم أن المشرع الدستورى اعتمد فى الدستور القائم مبدأ الحجية المطلقة لجميع أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها، ولم يقصره على الأحكام التى تصدر فى الدعاوى الدستورية وطلبات التفسير التشريعى، مغايرا بذلك مناهجه فى دستور 1971 وما تلاه من وثائق دستورية أيا كان مسماها أو طبيعتها من حيث التأقيت أو الاستمرار ".
(حكم المحكمة الدستورية الصادر بجلسة 29/11/2015 فى القضية رقم 42 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" المنشور فى الجريدة الرسمية – العدد 48 مكرر (د) فى 30 نوفمبر 2015 ).
ولاشك أن جميع المحاكم وكذلك مصلحة الجمارك وهى من سلطات الدولة أصبحت ملزمة بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 10 لسنة 33 قضائية دستورية "تنازع" منذ نشره بالجريدة الرسمية لما له من حجية مطلقة بالنسبة لهم، بالإضافة إلى أن المشرع يجب أن يتدخل ويأصل للمبدأ الدستورى الذى قررته المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 10 لسنة 33 قضائية دستورية " تنازع "
وما سبق من أراء الفقهاء، من أن منازعات الضرائب والرسوم الجمركية ذات طبيعة إدارية وتندرج ضمن الاختصاص المحدد للقضاء الادارى باعتباره صاحب الولاية العامة فى الفصل فى كافة المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعى , وذلك عن طريق النص صراحة فى مشروع قانون الجمارك الجديد الذى يجرى إعداده على اختصاص القضاء الادارى بنظر تلك المنازعات.
التسميات
دراسات قانونية