حقوق الإنسان والحريات العامة في ضوء الشريعة - د. محمد أمين


حقوق الإنسان والحريات العامة في الشريعة الإسلامية حقوقٌ ربانية المصدر، لأنها مشروعة من الإله الحكيم العادل، خالق الكون والإنسان والحياة، وهو العليم بالإنسان وبما يحقّق له السعادة وبما يعرّضه للشقاء، فهو العليم العلم المطلق بما يمنح الإنسان من حقوق، وبما يملي عليه من واجبات، وما يشرع له من أحكام يقف عند حدودها فلا يتجاوزها، فالله تعالى هو المصدر الحقيقي الأمين الحكيم لتشريع الحقوق، وبيانها ومنحها، فالبشر كلهم خلقه، وهو أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بهم وبأحوالهم وبما يصلحهم ويسعدهم حق الإسعاد، ويهديهم حق الهداية.

ولا يمكن لأي باحثٍ منصف في النصوص والتشريعات الإسلامية، أن ينكر الاهتمام المتميّز بقضايا حقوق الإنسان وحرياته العامة في التشريع الإسلامي، ممّا يجعله الأعمق والأسبق اهتماماً بهذا الموضوع من كافة الأديان والحضارات الأخرى، بما فيها الحضارة الغربية الحديثة.

حيث أكدت آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، قبل انبثاق حقوق الإنسان في أوروبا بعشرة قرون على كرامة الإنسان، وحفظ حقوقه وحرياته المادية والمعنوية بكل تفاصيلها وجزئياتها، واعتبرت أن أي انتهاكٍ لشيء من هذه الحقوق والحريات يشكل عدواناً ومناوءة لله تعالى ولدينه ورسله، تستوجب غضب الله تعالى وسخطه وعقوبته ونكاله.

فالشريعة الإسلامية تحترم حقوق الإنسان وتوليها اهتماماً كبيراً في تعاليمها. فحقوق الإنسان من المنظور الإسلامي أمرٌ مقدس لا يجوز المساس به، ولا يجوز للإنسان التفريط فيه، ولا توجد تجزئة لحقوق الإنسان وحرياته، بل هي شاملة لجميع جوانب حياته، فهي مكفولة في انتمائه واعتقاده الديني، كما أنها مكفولة في الجانب الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

تعريف حقوق الإنسان


وحقوق الإنسان هي: مجموعة من الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان، واللصيقة بطبيعته، والمقرّرة عالمياً ودولياً، وإن لم يتم الاعتراف بها، أو انتهكت من قبل سلطة ما، وتشمل:

  • الحقوق الأساسية: كحق الحياة والمساواة والكرامة
  • والحقوق السياسية والمدنية: كحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في الحرية، وحق الانتماء، وحق التعليم. 
  • الحقوق الاجتماعية والاقتصادية: كحق الملكية، وحق الرعاية الصحية والاجتماعية، وكفالة الدولة، وحماية الأمومة والطفولة، ورعاية النشىء والشباب، وحقوق الأسرة والمسكن ونحوها.

وقد أعلنت الشريعة الإسلامية مبادئها الأساسية في إطار النظام الفكري، والسياسي والدستوري، والاقتصادي، والاجتماعي، وقدمت الحلول الملائمة لمشكلات الحياة بأسرها؛ ففي نطاق المبادىء الجوهرية السياسية والدستورية، أعلنت الشريعة الإسلامية مبدأ الشورى ومبدأ المساواة ومبدأ العدل والتعاون، وفي مجال الحقوق، أعلنت كرامة الإنسان وحقه في معتقده ورأيه في التعبير والتنقل.

والنص على حقوق الإنسان وحرياته لم تعرفه الأنظمة الوضعية في العصر الحديث كأثرٍ مباشر من آثار الوثائق الدولية لحقوق الإنسان في ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلاّ في منتصف القرن العشرين الميلادي، أمّا الشريعة الإسلامية، فقد أوردت جميع تلك الحقوق والحريات قبل ميثاق أو إعلان من إعلانات حقوق الإنسان بأربعة عشر قرناً من الزمان، بل وأوردت أنواعاً أخرى من الحقوق لم يفطن إليها واضعو الميثاق أو الإعلان، كحق الإنسان في الدفاع عن النفس، وحق الإنسان في العفو.

مظاهر حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية:

لقد فصلت الشريعة الإسلامية حقوق الإنسان وحرياته تفصيلاً بغاية الوضوح والشمولية، حيث جاءت النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية محددة للحقوق والحريات، ومانعة من تجاوزها وانتهاكها، ومن مظاهر ذلك:
  • تحريم القتل لحفظ الحياة الإنسانية.
  • وجوب الجهاد لإزالة الاستبداد.
  • تحريم الزنا والقذف حماية للأعراض والنسل.
  • وتحريم الربا والاحتكار لضمان ممارسة حق الكسب المشروع.
  • أوجبت على الدولة رعاية شؤون الأفراد والمواطنين، ومنع الظلم على الرعية، وإقرار قواعد العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.

وقد كانت صرخة سيدنا عمر بن الخطاب المدوية تعبر عن خطٍ دستوري أصيل في مجال حقوق الإنسان وحرياته العامة حينما قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، فالإسلام ردّ الناس إلى الأصل الواحد، وعلى هذا فلا يصح القول بتجزئة الكرامة الإنسانية، وجعلها خاصة بالمسلمين دون غيرهم.

وهدم الإسلام نظام الطبقية من أساسه فأعلن أن الناس سواسية لا يتفاضلون إلا بالتقوى، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، وقرّر كذلك وحدة الأصل ممّا يقتضي عدم التمييز بالجنس أو الطبقة أو العنصر، قال تعالى في هذا المعنى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".


الحرية فى الشريعة الإسلامية:


الحرية في الشريعة الإسلامية ملازمة لوجود الإنسان من الولادة إلى المهد، إلى الدفن في اللحد؛ وهي تلازم الحق في الحياة، والكرامة الإنسانية، بل وتتشابك مع بقية حقوق الإنسان في الاستقلال، والمساواة، والعدل، والعلم، والعمل، والاستقرار، وتحرّر الفكر، وتنمية العقل، وتنور الرأي، والتفاعل القوي مع المجتمع على أساس من ذاتية الحق، والاحترام الحقيقي وسمو الوجدان، ونقاوة الضمير، وحرية الرأي والتعبير، وطمأنينة العيش، وذوبان التمييز العنصري.

والحريات العامة من منظور الشريعة الإسلامية هي: رخص وإباحات، وهي تقوم على إطلاق الحريات للفرد في كل شيء ما لم تتعارض أو تصطدم بالحق أو المصلحة العامة، فإذا تعدّت تلك الحدود فإنها تصبح اعتداء يتعيّن وقفه أو تقييده.

عندما بزغ فجر الإسلام، كانت المجتمعات البشرية بأسرها تئن تحت وطأة الاستغلال والاستعباد والتبعية والطبقية، ووأد البنات، وافتراس الأقوياء للضعفاء وضياع الحقوق والتنكر لها، ولم يكن في موازين الناس شيءٌ يسمّى حقاً يقام له وزن أو اعتبار باستثناء ما كان للأقوياء.

وكانت شعوب العالم تنظر بلهفةٍ إلى ذلك اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية على هذه الأرض المروية بدموع الحزن والعذاب.فقد وجّه الإسلام نداءه للبشرية جمعاء، يعلن عليهم مبدأ المساواة بينهم في بشريتهم وإنسانيتهم، وأنهم يقفون جميعاً في صفٍ واحدٍ أمام فرص الحياة، وأمام نعم الله فيها، وأنه لا تمييز لبعضهم على بعض، إلا بمقدار ما يقدّم الإنسان من خيرٍ للناس، واستقامة على منهج الله في طريق الحياة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ".

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال