يوم قامت الثورة بتلقائية الشعب وانتفاضتة أصابنى الفرح والخوف... ومع مرور الأيام ازداد الفرح وازداد الخوف فإذا كان للفرح أسباب معروفه فإن للخوف أسباب أكثر بالرغم من تفائلى الحذر... لأننى خفت على مصر بلدى الذى نشأت على حبه وترعرت فى أرضه وسمعت أذنى فى بداية إدراكى أناشيد حبها فى عهد عبد الناصر وعشت بداية آلامها منذ 1967 ... وانتصارها فى 1973 وتربيت فيها على حد الكفاف وتعلمت فى مدارسها علما لم يكن بمدرسة خاصة بل حكومة وفى الريف البسيط وبلا مدرس خصوصى ولكن بإخلاص وتفان نفتقده الآن...
خفت على مصر من خلال نظرة للمستقبل ومن خلال تلافى الأخطاء التى أدت بنا إلى التآخر والركود والجمود وإشاعة روح الفوضى والإستخدام السىء للحرية.. أو لتملك الحقوق...
خفت أكثر على مصر من إنه بالرغم من تلقائية الثورات والإنتفاضات التى تشهدها العديد من الدول العربية فإن بعض القوى الكبرى تحأول القفز عليها من أجل احتوائها لتحقيق أهداف هذه القوى الخارجية التى لاتريد لمصر إلا ان تكون تابعة لها لأنها لوكانت قائدة ومتقدمة فستدحر هذه القوى عن المنطقة ككل...
وفى مقدمة هذه القوى الخارجية تأتى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التى لاتمل ولا تكل من محأولات الإحتواء والسيطرة على هذه الثورات... وبعد إندلاع ثورة الياسمين بتونس واللوتس بمصر والإنتفاضات الشعبية الدامية فى كل من ليبيا - اليمن - سوريا - البحرين - الجزائر... كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مؤخرا عن مفاجأه من العيار الثقيل، وهو الإعلان عن أن الرئيس الأمريكى أوباما... أصدر فى أغسطس الماضى أمرا رئاسيا لجميع الوكالات الأمريكية بالاستعداد والتحضير لتغير عدد من الأنظمه العربية...
وكشف الكاتب الأمريكى [ديفيد اجنانوس] عن تأكيد الرئيس الأمريكى قبيل 6 أشهر - إندلاع الثورات العربية وإن منطقة الشرق الأوسط ستشهد حالة من الإستياء الشعبى الشديد والمتصاعد تجاه الأنظمة الحاكمة فى العديد من الدول الحليفة لأمريكا !! وطالب مستشاريه بتحديد مخاطر هذه المرحلة، والبحث عن أساليب طمأنة الشعوب الثائره، وإبلاغ الثوار أن أمريكا تدعم الإنفتاح السياسى المنظم إلى جانب تحسين أوضاع الحكم...
وأكد الكاتب أن ادارة أوباما دعمت الثورات العربية، وإذا كانت أمريكا ترحب بالثورات فعليها دعمها فعلا لا قولا... وعملا لاشعارا... وليس دعمها من أجل القفز عليها لصالح إسرائيل أو لتحقيق أجندات السيطرة وزيادة النفوذ على ثروات المنطقة..
إن دعم الثورة لابد أن يكون بالمساعدة الجادة - لمواجهة مشكلات المرحلة الإنتقالية التى تتطلب تكاتف جميع الجهود المخلصة لصالح الشعوب وليس لمصلحة الحكام وأعوانهم الفاسدين الذين كانت أمريكا أكبر حليف لهم ثم بفضل الله الآن تنقلب عليهم... حقا "الاخلاء يؤمئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " صدق الله العظيم..
ثم بجانب التربص الخارجى للقفز على الثورة نأتى للهم الداخلى... فما الذى يحدث فى مصر الآن؟ ألم يأن للبعض أن يعودوا لرشدهم وينتبهوا للأخطار المحدقة بوطنهم؟
- ماسبب كل هذه المظاهرات الفئوية؟ ماسبب كل هذا الإنفلات الأمنى؟
- ماسبب كل هذا التكاسل واللامبالاه فى العمل؟ ماسبب التعامل بلا أخلاق فى الشارع والعمل وعدم إحترام الكبير وتوقيره؟ - ماسبب هذه البلطجة والتحدى لكل ماهو صحيح؟
- ماسبب مانحن فيه؟ من ممارسات إجرامية ومعارك؟ وفتن؟ أليس هذا ما يدعو الانسان للخوف الذى يضيع الفرحه؟ ولكن إذا كان هناك كل هذا القلق والخوف حتى فى وجود من ينادى بالديمقراطية فإذا تكلم قال بالتجريم والتحريم والاحادية فكانت نهاية كلامه كأنه يدعو للإستبداد..
فإن الكل زائل ومصر هى الباقية والقائدة والعظيمة كانت وستظل إلى أبد الدهر وعلينا أيها الزائلون أن نتقى الله قولا وعملا وفعلا لا شعارا وجوهرا لا مظهرا وذلك بالآتى:-
- إن كنا أهل أديان فإن الدين كل لا يتجزأ، لأن من يحافظ على دينه لابد أن يحافظ على عمله واداءه وتقواه وأخلاقه كما يحافظ على صلواته.
- إذا كان القانون وتطبيقه يكفى لحماية المجتمعات وتقدمها فإن للأخلاق دورا مكملا وضروريا حيث يهدف القانون والأخلاق إلى وضع ضوابط على السلوك الإجتماعى للأفراد لضمان عدم تعريض حقوق ومصالح ومشاعر الآخرين للإيذاء أو الأضرار، فالأخلاق مثالية الهدف أما القانون فإنه واقعى النزعة ويبحث عن تحقيق الممكن وليس المثإلى، ومخالفة القانون يترتب عليها جزاء مادى أما مخالفة الأخلاق فيترتب عليها جزاء معنوى، مثل الإستهجان أو شعور بالخزى والعار ولا غنى لأى مجتمع إذا أراد تقدما عن القانون والأخلاق معا، ولايكون أحدهم بديلا عن الآخر...
- إننا أصبحنا لا نعيش حالة إنفلات أمنى فقط، ولكننا نعيش أيضا حالة إنفلات أخلاقى - حيث أن هناك لغه غريبة نتعامل بها ونراها الآن بين الناس - لاتعكس الحرية - وإنما تعكس حالة من حلات الفوضى الأخلاقية تتمثل فى زيادة البغض والغل.. ومحاولة الدس والوقيعة.. والثأر والشماتة.. والتشفى والعشوائية.. والإهانه.. وعدم الاحترام.. والإنتقام.. ولا فرق بين كبير وصغير، ولا مراعاة لعمل أو تقوى أو اخلاق.. وقد سمعنا على الهواء مكالمة مواطن لوزير الداخلية يقول له فيها "مكانك قهوة المعاشات" ولم يكن يحلم هذا المواطن أن يتكلم مع مأمور قسم فما بالك وهو يتحدث مع رجل تعدى السبعين عاما وهو وزيرا للداخلية ويقول ذلك..
ما هذا الجبروت وما هى هذه الاخلاق؟ وقد رأينا ما يتحمله الجيش ومجلسه العسكرى من كل الضغوط وأنواعها.. حتى حين يخاطب البعض المشير والمجلس العسكرى ومن يتهكم على الدكتور يحيى الجمل؟ ومن يعترض على وزير المالية بالرغم مما يبذله هؤلاء جميعا من جهد ووقت وتفكير ومستقبل أقل ما يجب هو أن نشكرهم ونساعدهم بالعمل والمساندة، والمساعدة إننا نحتاج أن نتعلم أصول النقد فى هذا العصر الثورى الجميل، كما نحتاج إلى فهم الحرية لأنها مسئولية، ومعرفة الخيط الرفيع بين الديمقراطية والفوضى.
فليس شرطا أن نهيل التراب على من لا يعجبنا أو نهين مسئولا.. الموضوعية فى النقد أن نوضح الإيجابيات والسلبيات.. بدون جرح أحد.. سنخسر كثيرا.. وسيهرب الجميع.. وتخسر مصر أبنائها.. وتخسر عطاءهم.. لأن كل من يتصدى للعمل.. سواء مديرا.. أوصاحب عمل عام.. أو مسئولا.. سيتعرض للإهانه، ثم لايقبل ذلك، ثم مإذا بعد.
- إننا لابد من استخدام لغة الحوار بالأدب والإحترام والشهامة والنقاء لأن الحوار يساعد على التلاقى ومعرفة الآخر وأفكاره وماذا يريد بما يؤدى إلى حل كل الخلافات.
- لابد أن ندرك إننا فى مرحلة جديدة ندرك فيها أنها ثورة على ما كان وتحتاج للإنتقال من وضع إلى وضع، لأنها تحتاج إلى أن يتقدم الصفوف أصحاب:-
أ. القدرة على التفكير والتصرف.
ب. كفاءة فى التنفيذ.
ج. إصرار وحزم فى العمل، لا تكاسل ولاجهل ولا قيل وقال؟
د. محاربه الفساد ودولته، والمستنقعات والعفن وأهل المغانم، مما أدى إلى إحتلال البعض لمواقع متقدمة دون أن يستطيعوا إتخاذ قرار، بل وتم إزاحه البعض لحساب البعض فلمإذا؟ وكيف؟
- سمعنا "النتن ياهو" يحاول تشوية صورة الثورة المصرية أمام العالم، وسمعنا عن منظمات دولية تحاول إثارة الفتن بين العمال المصريين بل وأنشأت مكاتب لها بمصر بدون الحصول على موافقات رسمية، بهدف إثارة الفوضى داخل مواقع العمل؟
- هل علمنا أن هناك عجز بميزان المدفوعات؟ وتراجع بالاستثمار والسياحة؟ - لمإذا لانعمل؟ لمإذا تدفع الدولة لنا مرتبات دون أن تأخذ مقابلها عمل؟ هل يرضى أحد أن تحصل أنت على مرتب وحوافز ولا تعمل، وإذا قال لك أحد أن تعمل وتتقن عملك وتتقى الله فيه، قلت عنه ما لا يقال، حتى إننى عندما أطالب أحد بالعمل يرد هل أنت زعلان منى؟ يا ألهى أستجير بك؟ ما هذا الفهم؟ وما هذا الدين؟ وما هذه الاخلاق؟
ولنعلم إننا لن نتقدم إلا بالعمل.. والعمل والعمل حتى آخر نفس، قبل أن تبحث عن حقوقك.. ابحث عن واجباتك.. ابحث عما يجب أن تكون عليه؟ هل الكل فاسد؟ من يسرق فاسد؟ ومن يحضر للعمل متآخر فاسد؟ ومن لايعمل فاسد؟ ومن لا يقدم للدولة عمل يوازى ما يحصل عليه من أموال.. فاسد ؟ ولكن بدرجات فالقتل .. منه العمد ومنه الإهمال ومنه الخطأ..
- يجب أن نطبق بالعمل وبالشرطة وبكل مكان مفهوم العمل الديمقراطى الذى يعطى فيه الكل ما عليه ويأخذ ما له.. عمل يدار بالقانون مع وضع الأطر والسياسات للعمل.. وعمل مدونه سلوك وسيادة النزاهة.. الشفافية.. الرقابة.. المسألة..
- إذا كان الماضى قد مضى بما له وعليه.. فإن المستقبل مازال غريبا.. وأن الحاضر نحن نعيش فيه الآن .. واعلم أن الدنيا إن اقبلت بلت.. وإن أدبرت برت.. وإن ولت تولت.. وإن أينعت "نعت"، فكم من ملك نصبوا له العلامات فلما علا .. مات..
أفرح وأطمئن بما أرى من يعمل ويتعلم ويتقن عمله، وأفرح عندما أرى أن الذى يعمل ويخلص يكون هو متقدم للصفوف وأفرح عندما أرى بلدى مقبلة على مستقبل مشرق لا مكان فيه لمن يهرب من العمل.. أو لمن لا يتقن العمل أو لإنصاف المتعلمين أو لمروجى الشائعات أو لمن يريدون حقهم ولا يقدمون ما يجب عليهم ويأخذون فقط، وسيدوم الفرح ويستمر التفاؤل وستترك السفينه من يتآخر.. فضع لنفسك مكان بالعمل والعلم والإخلاص والتقوى والأخلاق.. وبسرعة وإلا... لن تجد مكان ولا تنفع واسطة أو شفاعة إلا فى الحق وبالحق..
والله الموفق والمستعان
محتويات العدد ٤٦٢
- كلمة العدد دعوة للمشاركة
- مصلحة الجمارك ودورها فى دعم الثورة - أحمد سعودى
- غرفة الملاحة على مائدة الاستفسار- أحمد الطوبجى
- حوار مفتوح من أجل سلامة تطبيق اتفاقية القيمة - سحر شحاته
- الإنفلات والإنضباط الأخلاقى بعد الثورة - محمود أبو العلا
- رجال على خط المواجهة - محمد مرسى
- الإنترنت وانعكاساتها على العمل الجمركى - فاتن فهيم
- لا يكفى أن نحلم - عبد الناصر عز الدين
- أضواء على مسابقة التثثقيف الذاتى - حنان عليوه
- الوظائف القياديه - منى البسه
- الكشف بالأشعة - هشام قناوى
- الأحزاب السياسية - سامح الفرسيسى
- ندوات تثقيفية - عصام محمد على
- من أجل مصر العظيمة أفيقوا - أحمد الصياد
- طريق النجاح - نهى شلتوت
- أثار مصر بين الثورة والثروة - سلوى شحاته
- تأملات فى الشخصية المصرية - حمدى عبد الرحمن
- مكافحة الفساد فى ضوء اتفاقية الأمم المتحدة - محمد على اسماعيل
- المناقصات والمزايدات
- المكسرات وفوائدها الصحية - عصام نجم
- قوة التحكم فى الذات - أمانى كويلة
- مهارات التغيير - أمينة فرغلى
- مفاتيح الإبداع المهنى - صفوة والى
- تطوير مبنى إدارة تموين السفن - عبير صنديق
التسميات
مقالات