لقد انطلقت شرارة الثورة المصرية في 25 يناير 2011 من خلال الإنترنت.. وهي لذلك تعتبر أول ثورة بدأت من خلال التكنولوجيا في تاريخ البشرية. وقد تلت هذه الشرارة الحركة الشعبية والاعتصامات والمظاهرات التي بدأت يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 واستمرت لمدة ثمانية عشر يوماً هي الأيام الخالدة في تاريخ مصر والشعب المصري حيث غطت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية الشوارع والميادين في كل مدن وربوع البلاد.. بدأت الأحداث باحتشاد أكثر من مليون شخص للمطالبة بتغيير النظام والإطاحة بالرئيس مبارك، ووضع حد للفساد، والمطالبة بالإصلاح الديمقراطي للنظام السياسي..والإصلاح الإقتصادي والمعيشي لطوائف الشعب الكادح.. ورغم أن المظاهرات جميعها كان يغلب عليها الطابع السلمي إلا أنه مع تطور الأحداث بدأت الشرطة في استخدام العنف وبدأ سقوط الضحايا من الشهداء والمصابين.. ثم تطورت الأحداث تطوراً سريعاً وتوالت بصورة لم يتوقعها أحد.. حتي انتهت في الحادي عشر من فبراير 2011 بتنحي مبارك وتسليمه قيادة البلاد إلي القوات المسلحة ليكتب بذلك النجاح لأكبر إحتجاجات شهدتها مصر.. لقد تركزت كافة مطالب المتظاهرين والمحتجين والمعتصمين على ضرورة إحداث إصلاح سياسي وإجتماعي وإقتصادي وتوفير ظروف معيشية أفضل للمواطن وقبل كل ذلك وقف قسوة ووحشية رجال الشرطة في التعامل مع المواطنين.. لذا كان الإصرار علي إقالة وزير الداخلية، والمطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور، ووضع حد لقانون الطوارئ وعدم زيادة فترة الرئاسة عن فترتين.
فأتى فى طليعة مطالب الثوار مطلبهم الأول بضرورة مواجهة مشكلة الفقر بزيادة الحد الأدنى للأجور، وتحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم و جميع الخدمات المقدمة للشعب المصري.
أما المطلب الثانى فكان إلغاء قانون الطوارئ الذي تسبب في إساءة استخدام قوات ووحدات الأمن القومي له في قمع حرية التعبير وهوالقانون رقم 162 عام 1958 الذي صدر بعد حرب عام 1967، وقد تم تعليقه لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينيات ، إلا أنه بدأ العمل به منذ إغتيال الرئيس السادات فى عام 1981 واستمر طوال عهد مبارك، وتم من خلاله توسيع صلاحيات الشرطة، وتعطيل الحقوق الدستورية للمواطنين، والرقابة الغير قانونية.
ويحد قانون الطوارئ بشدة أي نشاط سياسي يتعارض مع سياسة الحكومة وكذلك يحد من إنشاء ووجود المنظمات غير السياسية ، كما أنه يحظر التظاهر بكل صوره، ، والتبرعات المالية غير المعتمدة من الحكومة، وقد كان المطلب الثالث للمتظاهرين ضرورة إقالة وزير الداخلية لاستعماله القوة بإفراط ووحشية ضد الشعب المصري.. ثم كان المطلب الرابع : تحديد مدة الرئاسة بحيث لا تتجاوز ولايتين متتاليتين حيث أن السلطة المطلقة تؤدي إلى فساد لا يمكن السيطرة عليه. لقد تطورت أحداث الثورة بشكل متلاحق وسريع منذ الخامس والعشرين من يناير وحتي اليوم الثالث للمظاهرات حيث تم الإبلاغ عن وفاة مائة وخمسة أشخاص علي الأقل، وأصيب ما لا يقل عن سبعمائة وخمسين شخصاً سواء من المحتجين أورجال الشرطة وكانت القاهرة هي المدينة التي يمكن وصفها بأنها "ميدان حرب"، بينما كانت مدينة السويس مسرحاً لاشتباكات عنيفة متكررة في شتي أنحاء المدينة.. وقد تولت القوات المسلحة تأمين البلاد بعدما انسحبت قوات الشرطة فجأة من الشوارع وتركت الشعب بلا حماية وقام الجيش بفرض حظر التجول الذي قام المتظاهرين بتحديه ولم يتم تنفيذه حيث كان هناك نهب وسلب من قبل العصابات والبلطجية والمساجين الهاربين . وكرد سريع لحالة الفوضي الأمنية هذه قام المصريون بتشكيل لجان شعبية لحماية الأرواح والممتلكات..
وعلي الصعيد الدولي... تباينت ردود الفعل الدولية حول هذه الاحتجاجات، فعلى الرغم من أن الأغلبية العظمي أكدت على أنها مظاهرات من النوع السلمي التي تهدف نحوالإصلاح. أعربت غالب الحكومات الغربية عن قلقها من الوضع الراهن فى مصر ونصحت رعاياها بمغادرة البلاد كما بدأت محاولات إجلاء مواطنيها من البلاد.. فتكدس الآلاف من الأجانب في مطار القاهرة والمطارات المصرية لطلب المغادرة السريعة في سابقة قد تكون الأولي في مصر.. وفي محاولة للسيطرة علي الموقف قام مبارك قبل تنحيه بحل الحكومة وتعيين عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية نائباً له كما أقال الحكومة وطلب من وزير الطيران الفريق أحمد شفيق تشكيل حكومة جديدة.. تولي فيها الدكتور سمير ضوان وزارة المالية في ظل هذه الظروف الصعبة بل المستحيلة.. فكانت مدن مصر الكبري كلها تملأها الجماهير والمظاهرات أوقفت وأحدثت شلل تام لكل مظاهر الحياة في القاهرة و الإسكندرية والمنصورة والسويس وبورسعيد والأقصر والعريش وشبين الكوم وطنطا وكفر الشيخ وسوهاج وقنا والمنيا ودمياط.. حتي سيوة والعريش أيضاً توقفت مظاهر الحياة فيها والعمل بسبب المظاهرات والإضطرابات.. لقد تأثر بشدة قطاع التجارة في البلاد ووتوقفت أغلب المصانع عن الإنتاج وبلغت أرقام الصادرات أدني مستوي لها.. شلت الاحتجاجات والمظاهرات إلى حد كبير الاقتصاد بكل قطاعاته، وساهم فرض حظر التجول بدءاً من 28 يناير في تعطيل وسائل النقل وعدم إمكان توزيع السلع وتوصيلها إلي المدن والأسواق.. وأصبحت البلاد علي مشارف كارثة حقيقية بسبب ما يمكن أن يحدث من نقص في السلع الأساسية والإستراتيجية والغذاء والوقود وارتفاع الأسعار إلى الحد الذي يزيد من حجم الكارثة..
حاولت الحكومة الجديدة في ظل الظروف الصعبة أن تقوم بتوفير إمدادات غذائية إضافية لتحقيق استقرار فى أسعار السوق وتجنب حدوث أي نقص فى المواد والسلع الأساسية.. وضعت وزارة المالية خطة لمكافحة ارتفاع الأسعار وزيادة المعروض من السلع والبضائع.. خطة تقف أمام كل هذه التحديات والمصاعب.. إلى أن تم علي أرض الواقع إنخفاض في أسعار الفواكه والخضروات بسبب توقف التصدير وبالتالي زيادة المعروض منها في السوق المحلية...في نفس الوقت بدأت وزارة التجارة في الحكومة الجديدة جميع الإجراءات اللازمة للحصول على السلع الإستراتيجية المتاحة في المخازن بما في ذلك القمح والسكر والدقيق والأرز ومرة أخرى كانت القضية الرئيسية هي كيفية نقل تلك السلع إلى كافة المحافظات في جميع أنحاء البلاد.
خلال الأيام الثمانية عشرة للثورة كانت الجمارك المصرية علي أعلي درجة من تحمل المسئولية.. وقامت بتحمل مسئولياتها ومواجهة كافة الصعاب والتحديات التى وجب عليها التعامل معها بسرعة وحزم وباحترافية عالية. فبينما كان المتظاهرون في ميدان التحرير يناضلون من أجل التغيير.. وبينما كانت القوات المسلحة تقوم بدورها في حماية الأمن الوطني وحماية المدن الرئيسية في جميع أنحاء البلاد... وبينما كانت الحكومة الجديدة تحاول القيام بالإجراءات اللازمة وقيادة البلاد للخروج من الأزمة .. كانت الجمارك تقوم بدور أكبر من دورها المعتاد.
شاركت الجمارك في غرفة العمليات الرئيسية لإدارة البلاد جنباً إلي جنب مع ممثلين عن الوحدات الأخرى الحكومية والقوات المسلحة، والتى كانت فى حالة انعقاد مستمر لمراقبة الوضع في كل لحظة وفي كل مكان. وبإيجابية غير مسبوقة في الأيام الأولي للثورة.. أعلنت وزارة المالية المصرية عن قيام الجمارك بالإفراج الفوري عن جميع الواردات من مستلزمات الإنتاج والمواد الغذائية والسلع التموينية وكذلك الواردات الاستراتيجية بموجب إقرار كتابي من صاحب الشان لدفع الرسوم الجمركية والضرائب في وقت لاحق للإفراج عندما تعود الأوضاع إلي طبيعتها.. كان لهذا الإجراء مفعول السحر في توفير السلع بالأسواق وإظهار التكاتف مع جموع الشعب.. ولم يقتصر الامر عند هذا الحد.. بل سعياً منها فى التغلب على مشكلة غياب الأمن وعدم توافر وسائل النقل من الموانئ إلى الوجهات النهائية قامت الجمارك المصرية بالتعاون الفوري والتام مع القوات المسلحة وتحقق من خلالها الاستعانة بشاحنات عسكرية لنقل غالبية السلع المستوردة. وللإفراج عن الواردات، واصلت البوابات الجمركية الإفراج لجميع السلع لضمان سهولة وإستمرار تدفق السلع والبضائع إلى الأسواق، ليس هذا فحسب بل تم الاتفاق مع شركة النيل للنقل البري لتوفير الشاحنات وجميع وسائل النقل المتاحة لتيسير نقل الواردات القادمة بالتنسيق المستمر مع القوات المسلحة لحماية تلك السيارات خلال فترة الانتقال من الموانئ إلى أماكن الإنتاج والتوزيع والأسواق المختلفة.. وتحقق الإنجاز الكبير في تاريخ العمل الجمركي.. حيث قامت الجمارك خلال الأيام الثلاثة الأولى من الأزمة بالإفراج عن واردات السلع الغذائية دون تأخير، فتم الإفراج عن حوالي نص مليون طن من القمح، وأكثر من إثنين وعشرون ألف طن من الذرة، و589 طن من العدس، و500 ألف طن من الأرز، و 2726 طن من اللحوم والأسماك والدواجن المجمدة بالإضافة إلي 213 طن من سمك التونة، و6،270 ألف طن من فول الصويا. .. وكانت هذه الإنجازات علي مرأي ومسمع من الجميع في مصر وخارجها.. وهوالأمر الذي ساهم بشكل مباشر وملحوظ في التغلب على أي نقص في المعروض من السلع التموينية والإستراتيجية مما قلل من الخسائر والأضرار التي اصابت الاقتصاد القومي بسبب الأزمة..
من وجهة نظر الجمارك، كان الهدف من هذه التدابير الحفاظ بلدنا الحبيبة بعيداً عن أي نقص في الإمدادات والسلع الغذائية خلال فترة المظاهرات والحفاظ على الأمن الغذائي فى أفضل صورة ممكنة. .. وحاولت الجمارك المساهمة في استعادة القدرة الكاملة للعمل بسرعة، وأيضا توفير السيولة المالية للقطاع الصناعي الذى يمثل أحد أهم القطاعات التي يعتمد الاقتصاد المحلي عليها فى توفير فرص العمل... يبدو أن الجمارك بهذا الدور قد تجاوزت أي دور تقليدي لتلعب دور جديد وطني يسعي لحماية الأمة من أي ضرر ممكن وتساهم بطريقتها وأسلوبها الإيجابي في دعم الثورة والعمل علي نجاحها..
ولتقديم الدعم الكامل لقطاع التصدير.. قامت مصلحة الجمارك بفتح مكاتبها بجميع الموانئ لمدة اربعة وعشرين ساعة وصدرت تعليمات بإنهاء إجراءات التصدير لمساعدة الصناعة الوطنية في الاستمرار في العمل والوفاء بالتزاماتها الدولية .. وتلخصت هذه الإجراءات الإستتثنائية التي قامت بها الجمارك خلال الأزمة في ما يلي :
صدر منشور تعليمات رئيس المصلحة رقم 1 بتاريخ 1 فبراير 2011 والذي تضمن السماح بالإفراج السريع مع تبسيط الإجراءات الجمركية عن المواد الغذائية والسلع التموينية من جميع المكاتب الجمركية مع تقديم جميع التسهيلات التي يمكن تقديمها لهم، وعلاوة على ذلك تضمن المنشور أنه في حالة عجز المستورد عن الدفع النقدي للرسوم الجمركية، ُيطلب من المستورد تقديم تعهد كتابي بدفع كامل المبالغ المستحقة بمجرد أن يعود الاستقرار إلى البلاد..
صدر منشور تعليمات رئيس المصلحة رقم 2 بتاريخ 3 فبراير 2011 تم فيه الإعلان عن أن ساعات العمل الجديدة في كافة المكاتب الجمركية بجميع الموانئ لمدة أربعة وعشرين ساعة طوال ايام الأسبوع للمساعدة في الإفراج الفوري عن السلع الغذائية والإمدادات التموينية.. صدر منشور تعليمات رئيس مصلحة الجمارك رقم 3 بتاريخ 7 فبراير 2011 وتضمن الإعلان عن لوائح جديدة تتعلق بسرعة التصدير للمركبات المفرج عنها مؤقتاً للأجانب والذين يرغبون في مغادرة البلاد هرباً من حالة الإنفلات الأمني..وتضمنت اللوائح الجديدة حق التصدير بغض النظر عن توافر شرط المدة اللازمة للسماح للتصدير عن تلك المركبات. تضمن المنشور السابق تطبيق ذات الاستثناء لشرط المدة علي الدروباك والسماح المؤقت وكافة الأنظمة الجمركية الخاصة التي تتطلب فترة زمنية معينة صدر منشور تعليمات رئيس المصلحة رقم 4 بتاريخ 10 فبراير 2011 والمتضمن إعادة الإعلان عن ساعات العمل الرسمية للعمل الجمركي والتى تنص على استمرار العمل حتى يوم الجمعة للمساعدة في الإفراج عن الإمدادات فوراً إلى الأسواق. صدر منشور تعليمات رئيس مصلحة الجمارك رقم 5 المؤرخ في 10 فبراير 2011 والمتضمن الإعلان عن الإسراع في وتبسيط الإجراءات الجمركية علي واردات مدخلات الإنتاج والمواد اللازمة للمصانع والإمدادات من جميع مكاتب الجمارك بما في ذلك الإفراج دون دفع الرسوم في حالة عدم قدرة الدفع نقدا من الرسوم الجمركية، وسيطلب من المستورد تقديم تعهد كتابي بدفع كامل المبالغ المستحقة بمجرد أن يعود الاستقرار إلى البلاد. صدرت تعليماتنا إلى جميع موظفي الجمارك في جميع المطارات إلى بذل المزيد من الاهتمام بالركاب المصرية المغادرين للبلاد خاصة أولئك الذين يستخدمون صالة كبار الشخصيات، وذلك للكشف عن أي محاولة تهريب غير مشروعة للأموال أوالآثار أوأي سلع ذات قيمة تاريخية. ونسأل الله أن يوفق الجميع في مساعيهم لحماية مصر وتدعيمها .. إنه هوالسميع العليم ..
محتويات العدد 462
- كلمة العدد دعوة للمشاركة
- مصلحة الجمارك ودورها فى دعم الثورة - أحمد سعودى
- غرفة الملاحة على مائدة الاستفسار- أحمد الطوبجى
- حوار مفتوح من أجل سلامة تطبيق اتفاقية القيمة - سحر شحاته
- الإنفلات والإنضباط الأخلاقى بعد الثورة - محمود أبو العلا
- رجال على خط المواجهة - محمد مرسى
- الإنترنت وانعكاساتها على العمل الجمركى - فاتن فهيم
- لا يكفى أن نحلم - عبد الناصر عز الدين
- أضواء على مسابقة التثثقيف الذاتى - حنان عليوه
- الوظائف القياديه - منى البسه
- الكشف بالأشعة - هشام قناوى
- الأحزاب السياسية - سامح الفرسيسى
- ندوات تثقيفية - عصام محمد على
- من أجل مصر العظيمة أفيقوا - أحمد الصياد
- طريق النجاح - نهى شلتوت
- أثار مصر بين الثورة والثروة - سلوى شحاته
- تأملات فى الشخصية المصرية - حمدى عبد الرحمن
- مكافحة الفساد فى ضوء اتفاقية الأمم المتحدة - محمد على اسماعيل
- المناقصات والمزايدات
- المكسرات وفوائدها الصحية - عصام نجم
- قوة التحكم فى الذات - أمانى كويلة
- مهارات التغيير - أمينة فرغلى
- مفاتيح الإبداع المهنى - صفوة والى
- تطوير مبنى إدارة تموين السفن - عبير صنديق
التسميات
مقالات