تأملات فى الشخصية المصرية

من سنن الله الكونية المتغيرات الحادة غيرا لمتوقعة التى تحدث على حين فترة من الزمن وتؤدى إلى تأثيرات واضحة على حياة الإنسان والذي يستطيع بسلوكه وعناصر تشكيل شخصيته أن يحول هذه المتغيرات الحادة من محن وأزمات إلى منح وايجابيات . وثورة الشعب المصري فى 25يناير تعتبر من هذه المتغيرات الهامة التى ستلقى بظلالها على كل جوانب الحياة ولأزمنة طويلة قادمة .

وسوف أتناول فى هذا الطرح تأصيلا للتحولات الخطيرة التى أثرت على الشخصية المصرية وشكلت أزمة ثم بعد ذلك اعرض لبعض الحلول المتصورة والتي تعبر عن وجهة نظري الشخصية لمجابهة هذه الأزمة والاستفادة من التحول الذي أحدثته الثورة لتعظيم الايجابيات وتلافى السلبيات .

فالبيئة الطبيعية المصرية قد نحتت شخصية المصري على مر الزمن فالنيل المعطاء والأرض الخصبة والسماء الصافية والشمس المشرقة والمناخ المعتدل صيفا وشتاءا كل هذا قد ترك بصمته على شخصية المصري فى صورة ميله للوداعة والطمأنينة والهدوء وطول البال وروح الدعابة والمرح .

هذه الطبيعة السمحة المعطاءة رغم ايجابياتها إلا أنها منحت المصري شعورا زائدا بالطمأنينة وصل به إلى حد الكسل والتواكل والتسليم بالأمر الواقع والجمود أحيانا وعدم الرغبة فى التغيير فالشخصية المصرية تشابه الطبيعة لا تتغير بسهولة أو بسرعة ولا تميل إلى الثورات .

كما أن مسيرة التيارات السياسية والاقتصادية خلال الستين سنة الماضية قد أوجدت خللا فى عقيدة الانتماء القومي مما أدى إلى أن يكون حرص الفرد متجها إلى تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة والى الولاء الشخصي الضيق مما قد يتعارض فى كثير من الأحيان مع قيم الوطنية والهدف القومي وأدى غياب هذا الأخير إلى ظهور روح التشرذم والتخبط وعدم وضوح الرؤيا ومن هنا بدأت تظهر أعراض الفساد والإفساد .

وأعان على هذا التوجه ما ساد مصر بعد حرب أكتوبر 73 من التحول الحاد والسريع نحو سياسية الانفتاح والاستغلال و المضاربات والإرباح السريعة والبحث عن النفوذ واختلال القيم والتوجه نحو المادية الطاغية والاستهلاك المفرط والثراء السريع مما أدى إلى ظهور شخصية الهباش الذي يخطف بسرعة بقدر ما يستطيع وبجري قبل أن يلاحقه حساب القانون أو المجتمع .

وقد أثر في الشخصية المصرية تأثيرا سيئا القوانين الاستثنائية والطبقية والمعايير المزدوجة وإطلاق يد السلطة الأمنية في كل مناحي الحياة طوال الثلاثين عاما الماضية بحيث أدى ذلك إلى شيوع حالة من القهر والخوف و انعدام الثقة بين السلطة والشعب وأتاح الفرصة لتغلغل الفساد المحمى من السلطة ووصول عناصر تفتقد الكفاءة والأخلاق إلى مراكز الصدارة تحت سقف الطاعة والولاء وفى نفس الوقت استبعدت العناصر المتميزة والمخلصة من مراكز التأثير والتوجيه كما أدى هذا القهر إلى غياب الالتزام الطوعي فى سلوك المصريين .

أما الغالبية فقد تحولت إلى الصمت وانخرطت فى احتراف أساليب الكذب والفهلوة والالتواء والنفاق والسلبية والتنازل عن القيم النبيلة مما ادى إلى حالة من زيادة عدم الانتماء وخاصة بين طبقة الشباب وظهور تيارات التطرف والمغالاة وعدم قبول الأخر و غياب أدب الاختلاف .

ولاشك أنه قد حدثت أيضا تغيرات شملت البيئة المصرية وأمتد أثرها إلى الشخصية المصرية فقد أدى الزحام الشديد في المدن والقرى وشيوع العشوائيات إلى وجود أخلاقيات الزحام من الشعور بالضيق والاختناق وارتفاع معدل التلوث السمعي والبصري و الاخلاقى و زيادة العصبية وسرعة الاستثارة وكثرة العدوان بشكل لم يكن معهودا من قبل .

كما أن إنتاجية الأرض لم تعد تكفى فزاد الفقر وخاصة في ظل سوءا لسياسات وانعدام العدالة الاجتماعية و شيوع نهب ثروات البلاد .

كل هذا خلق حالة من الإحباط والضيق والقلق و الغليان مع استمرار الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما شكل عوامل قيام الثورة والرغبة في التغيير بكل إبعادها الايجابية و السلبية .

ومن خلال هذا العرض لهذه المؤثرات على الشخصية المصرية فأنني أسوق رؤيتي الخاصة لتجنب هذا الخلل والعوار فى الشخصية المصرية ولتعظيم ايجابيات وتلافى سلبيات الثورة والتي تتمثل فى النقاط الآتية :

أن محاكمة الشعب لحكامه الظالمين لهى ظاهرة ايجابية تدل على عمق وأصالة وحضارة شخصية المصري وعلى قوة هذا الشعب رغم عوامل الإضعاف التي تزاحمت عليه. ولكن يجب ان يؤخذ فى الاعتبار أن التحول فقط من فساد الإدارة إلى إدارة الفساد بشكل مبالغ فيه يلهى عن النظر للأمام وغير مفيد فى النظر للمستقبل .

يجب أن يعاد النظر فى الزخم الهائل من ماكينات الكلام السمعية والمرئية والمقروءة والتي أصبحت تلح علينا ليل نهار وترشيدها لأننا نتكلم وننتقد ونجادل ونتهم أكثر مما نعمل وننتج.

كشف إبعاد شخصية الفهلوي و البدء في تكوين اتجاهات سلبية تجاهها في جميع وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والدينية وعدم التسامح مع كل من يمارس سلوك الفهلوي على المستوى السياسي بالتزوير أو التضليل أو النفاق أو اغتصاب الشرعية أو الأدوار وعلى المستوى الاقتصادي بإعطاء بيانات كاذبة وأرقام خادعة والحديث عن ازدهار خيالي وعلى المستوى الاجتماعي بدغدغة مشاعر المجتمع وإيهامه بالرياده والتفوق والتميز كذبا ومخالفة الواقع .

الإصلاح السياسي الجاد والحقيقي لإيجاد آليات تغلق الباب للأبد أمام كل محاولات الإفساد السياسي الذي كان العنصر الاساسى فيه تشويه الشخصية المصرية على مر العصور رغم وجود عوامل صحة وقوة في هذه الشخصية .

رفع الوعي و الإدراك للمفهوم الحقيقي للحرية لدى كل طبقات المجتمع وإلا تحول الأمر إلى حالة من الفوضى و الغوغائية بدعوة ممارسة الحق في الحرية.

الاهتمام بالعنصر البشرى وبناء الشخصية الايجابية والاهتمام بالبحث العلمي و تعظيم قيمة العمل والعمل بروح الفريق والالتفاف حول هدف واحد من أهم العوامل التى تساعد على تجاوز هذه الأزمة .

أصبحت الشخصية المصرية تعانى من انفصام ويتجلى هذا واضحا في الفرق بين سلوكيات الميدان وسلوكيات الشارع. فالظواهر السلبية من بلطجة و تعدى على المنشات وتعطيل مصالح البلاد والعباد والفوضى المرورية في سلوكيات الإفراد بكل عيوبها التي نتجت عن قصور التربية والتعليم وغياب العدالة فهي تركة النظام السابق الذي خرب مصر في جميع المجالات مما ادى إلى هذه الإفرازات .و رأينا الشخصي انه لانهوض جدي إلا بمزيد من الحزم والصرامة وإتباع أساليب الانضباط والثورية

الدور الكبير للسماحة والوسطية فى الدين فى الإصلاح والتقويم لأن سلطان الدين فى المجتمع المصري ومراقبة الله والأخلاق اقوي من سلطان القانون.

التعاطف يجب أن يكون مع الشرفاء المخلصين ذوى الطباع المستقيمة وأصحاب الحقوق المشروعة وليس مع الخارجين على القانون.

آخر الأخبار

المسؤولية الإداريـــــــــة | محمد أمين

الجمارك وسايتس .. أربعون عاما من العطاء - أشرف بركات

(7) تحت الشكة - إبراهيم عبد الرحمن

جمارك السيارات | كيفية احتساب الضرائب والرسوم الجمركية

جمارك السيارات - أحمد الكاشف

كتب جمركية للأستاذ محمود أبو العلا

المعهد القومى للتدريب الجمركى - محسن أمين

(10) ميزان المدفوعات المصرى - جلال جويده القصاص

المناطق النائية - محمود عويضه

ظاهرة تهريب الاقمشة وأثارها على الصناعة المحلية - محمود عيسى

تأملات فى الشخصية المصرية - حمدى عبد الرحمن

محتويات العدد ٤٦٢

إرسال تعليق

نموذج الاتصال