وأنت في طريقك إلى مدينة السلوم تلك البقعة الغالية من ارض مصر، البعيدة بعد الماضي الذي يرسم علاماته على الطريق ، هنا في هذه المنطقة التي شهدت رمالها قيام حضارات وسقوط أخرى ، الا أنها بقيت صامتة شأنها شان كل شيء هنا ، تعرفنا تميزنا نحن أبناؤها ، قد تقسو أحيانا لتعود بعد ذلك لتصفو مثل عيون المياه التي تمتلئ بها .
طريق طويل يسير من الإسكندرية إلى كل مدننا الساحلية الغربية بعضها صحراوية ، ومعظمها ساحلية لنصل إلى السلوم ، عندما تصل إليها تبهرك تسحر عينيك ، مدينة في حضن الجبل يحوطها البحر ليكسبها مزيدا من الغموض، ونعود لنتعرف عليها السلوم تلك المدينة الجميلة القابعة في أحضان هضبة السلوم ، يقيم أهل المدينة تحت الهضبة التي تحيط بالمدينة ويشتد جمالها ليلا عندما تضاء الأنوار على الجبل لتمهد للوصول إلى الجمرك ، إلى الميناء البرى وحدودنا مع ليبيا .
نصل إلى السلوم لنتعرف على رجال الجمارك على خط النار ، لا نعرفهم بذواتهم ولكن نعرف ما قدموه كشركاء في الحرية، حملوا أرواحهم على أيديهم ، وعملوا في صمت دون كلل أو تعب او تذمر ،يصلون الليل بالنهار ،يحملون أمانة تخاذل عنها من تخاذل وهرب منها من هرب ، ولا يزالون كذلك حتى الآن. من المؤكد أنكم تستعجلون التعرف عليهم ولكن كان لابد في البداية أن نشكرهم ونستمر في شكرهم حتى النهاية .
عندما تصل إلى جمرك السلوم يصعقك هول الزحام بالمنفذ ، طابور من السيارات لا نهائي ، ألاف من العائدين يفترشون الطرقات والصالات الجمركية ، الكل يعمل الكل يتزاحم عليه الجميع ، منفذ السلوم تعرض لأكبر تكدس جمركي عرفتة مصر في الحقبة الأخيرة.
اقتربنا اكثر من الحدث خيوط المشكلة بدات تنسج مع بداية ثورة الحرية ثورة 25 يناير وتزعزع الاستقرار الأمني وغياب متعمد للشرطة ، استيقظت المدينة على حدث رهيب لقد تم إحراق مبنى امن الدولة وقسم شرطة السلوم تعبيرا من أهل السلوم عما تعرضوا له من الظلم والألم والقسوة خلال السنوات الماضية ، واستغلال قانون الطوارئ لاعتقال وتعذيب الكثير من أهل البلد ،هؤلاء البدو الطيبون من قبيلة أبناء على ، فأتسعت الفجوة بين الأمن والشعب ، مثل كل شعب مصر.
و استمرت تلك الأحداث حتى حضور رجال القوات المسلحة والسيطرة على الأوضاع في المدينة وبدأ الاستقرار يعود اليها تدريجيا . ورجال منفذ السلوم ليسوا بعيدين عن الاحداث فمع اندلاع شرارة ثورة 25 يناير بدأ الليبيون المتواجدون في مصر يشعرون بخطورة الموقف الداخلي فبدأت رحلة الفرار من مصر ، وامتلأ منفذ السلوم بمئات السيارات المغادرة الى ليبيا في صالة السفر في نزوح جماعي للأخوة الليبيين ، وفي هذه الأثناء كان العاملون في جمرك السلوم يؤدون أعمالهم بكل همة ، وتضاعف مجهودهم وتزايدت أعباءهم بسب غياب رجال الشرطة نتيجة تلك الأحداث. فكانوا يبذلون جهد مضاعف في إنجاز الأعمال في صالة الوصول وصالة السفر وأعمال الترانزيت والسيطرة علي أعمال التهريب التي تتم عن طريق المنفذ بأقصى قدر ممكن. دون كلل أوتعب محاولين طمأنة المغادرين ، وإيصال الإحساس بان ثورتنا سلمية وجاءت لانقاذنا ومساعدة جميع الاشقاء.ولكن وقبل ان تعود الامور الى سابق عهدها فوجئ الجميع بإندلاع الثورة الليبية لتكمل الثالوث (تونس - مصر واخيرا ليبيا )
بعد اثنين وعشرين يوما من قيام الثورة المصرية قامت الثورة الليبية في 17/ 2/ 2011 دفاعا عن الحق والشرف والحرية ، وبدأ مرة أخرى النزوح الجماعي ولكن في الاتجاه العكسي من ليبيا إلى مصر ولكن كان هذه المرة اصعب واشد لمئات الآلاف من المصريين ، ولكنه ليس عودة للمصرين فقط ولكن كل العاملين فى ليبيا من جميع الجنسيات ، هروبا جماعيا من الجحيم الى مصر والى تونس ، وكذلك الليبيون انفسهم من النساء والاطفال والشيوخ نزوح جماعي تجاه المنفذ، وبدأ الضغط غير العادي يقع علي موظفي الجمارك الشرفاء ، فسارعوا ياستقبال العائدين من ليبيا وإنهاء الإجراءات الخاصة بالتفتيش في دقائق معدودة. وقام رجال القوات المسلحة الشرفاء بتجهيز أتوبيسات بالمئات لإجلاء الآلاف من العائدين بالمجان ،وتقديم الطعام والشراب لهم ومعاونتهم في الوصول إلي ديارهم سالمين وكان هذا في صالة الوصول.
واستمر جمرك السلوم خط الدفاع الأول يستقبل على مدي ثلاثين يوماَ جميع المصريين من المنطقة الشرقية بالجماهيرية ، ويبذل رجال الجمارك مجهود غير عادي ورائع ومشرف في إظهار كل الود والمعاملة الحسنة في استقبال المصريين الفارين من الحرب الدائرة في ليبيا ، ومحاولة طمأنتهم وتقديم المساعدة المعنوية لهم بعد كل ما تكبدوه من آلام.
ولم يكن المصريون العائدون هم الشغل الشاغل ، بل انضم اليهم مئات الآلاف من الجنسيات ألآخري، مثل البنغاليون والأفارقة والصينيون. وقد أشادت جميع المنظمات بحسن معاملة رجال الجمارك للعائدين من ليبيا. وأدى وصول مئات الآلاف إلى جمرك السلوم ونتيجة للتدفق غير العادي من الأفارقة تعذر الإقامة في المدينة ، فشرع القادمون في المبيت في صالات الوصول و السفر وساحة الترانزيت وساحة النقل ومبني ديوان الجمارك ، نظراَ لأن معظم هؤلاء من الدول الفقيرة التي يصعب ترحليهم علي الفور.
نقترب اكثر من الصورة لنرى معاناة رجالنا هناك ومحاولتهم المساعدة وهم على خط النار يقدمون أقصى ما لديهم من مساعدة الإخوة والأشقاء من كل الدول وبسب الزحام الشديد من الأفارقة بالساحة وصالة الوصول قام رجال الجمارك بتحويل مسار العمل علي المسار السياحي والمسار العادي .
وهنا بدأت تظهر مشكلة خطيرة ومرعبة بسب وجود أعداد هائلة من الأفارقة في كل مكان بمنفذ السلوم ، وأصبحوا يقيمون لأيام طويلة والمكان غير مؤهلً لمبيت وإقامة الآلاف منهم ، وذلك لعدم وجود دورات مياه كافية للاستحمام وخلافه ، مما يؤدي إلي انتشار الأمراض والأوبئة وبالتالي انتقال العدوى لموظفي الجمارك. وهذا الوضع سبب قلقا شديدا بين موظفي الجمارك الا انه لم يعقهم عن آداء واجبهم.
ومع تردي الأوضاع في ليبيا وتدفق آلاف السيارات الليبية التي تحمل الليبيين الهاربين من سوء الأوضاع، يبذل رجال الجمارك الشرفاء مجهودا غير عادي وخاصة رجال الإفراج المؤقت الذين يسارعون بإنهاء إجراءات السيارات بكل أمانة ويبذلون مجهودا مضاعفا لدخول الليبيين بأقصى سرعة ممكنة الى الأراضي المصرية ، تقديرا لظروفهم وفى نفس الوقت تطبيق اللوائح والقوانين الخاصة بذلك. . والى لقاء قريب مع موقع جمركي آخر على خط النار.
محتويات العدد ٤٦٢
- كلمة العدد دعوة للمشاركة
- مصلحة الجمارك ودورها فى دعم الثورة - أحمد سعودى
- غرفة الملاحة على مائدة الاستفسار- أحمد الطوبجى
- حوار مفتوح من أجل سلامة تطبيق اتفاقية القيمة - سحر شحاته
- الإنفلات والإنضباط الأخلاقى بعد الثورة - محمود أبو العلا
- رجال على خط المواجهة - محمد مرسى
- الإنترنت وانعكاساتها على العمل الجمركى - فاتن فهيم
- لا يكفى أن نحلم - عبد الناصر عز الدين
- أضواء على مسابقة التثثقيف الذاتى - حنان عليوه
- الوظائف القياديه - منى البسه
- الكشف بالأشعة - هشام قناوى
- الأحزاب السياسية - سامح الفرسيسى
- ندوات تثقيفية - عصام محمد على
- من أجل مصر العظيمة أفيقوا - أحمد الصياد
- طريق النجاح - نهى شلتوت
- أثار مصر بين الثورة والثروة - سلوى شحاته
- تأملات فى الشخصية المصرية - حمدى عبد الرحمن
- مكافحة الفساد فى ضوء اتفاقية الأمم المتحدة - محمد على اسماعيل
- المناقصات والمزايدات
- المكسرات وفوائدها الصحية - عصام نجم
- قوة التحكم فى الذات - أمانى كويلة
- مهارات التغيير - أمينة فرغلى
- مفاتيح الإبداع المهنى - صفوة والى
- تطوير مبنى إدارة تموين السفن - عبير صنديق
التسميات
مقالات